- لازم قيام هذا التطرف: قيام حركة اليهود الربَّانيين، ويبدو أنها كانت ذات قدرة؛ لأنها تحملت من جانبها عبء دعوة تطبيق الشريعة اليهودية على جاليات اليهود في أي مكان، من مراعاة جميع الطقوس وسائر السنن الشرعية إلى الختان، وفرضًا لازمًا.
ثم أصدرت عدة فتاوى تتسم بالجرأة وتخدم الروحين الوطنية والدينية معًا منها:
- تحريم قراءة الأسفار المقدسة في البيعة اليونانية.
- تحريم قيام أي صلات ودية مع الوثنيين أو غيرهم من المختونين.
أصبحت الشريعة الموسوية أكثر صرامة، وازدهارًا بفضل شروح الربانيين.
وبهذه الروح القومية الدينية استطاعت اليهودية أن تعمل -وهي في شتاتها مبعثرة- على إحياء دينها، ولغتها، وثقافتها، وترابط جنسها، وهذا من الأمثلة النادرة في التاريخ الإنساني.
وبلغ من موقفهم أن الأسفار التي أثر فيها الفكر اليوناني تعتبر لدى اليهود محذوفة؛ لأنها في نظرهم تحمل طابعا رواقيًّا١.
ثم أخيرًا كانت الأسفار التي تنسب إليهم وهي -أي: أسفارهم التي تنسب إليهم- أربعة:
الأول: وهو أهمها من الناحية التاريخية: يروي الأحداث التي جرت في إقليم يهوذا judee منذ حكم أنطيوخوس الرابع حتى موت سيمون "١٧٥ إلى ١٣٥ ق. م".
الثاني: يتناول قسمًا من الحقبة عينها بصورة موجزة.
الثالث: يروي أحداثًا عجيبة خاصة بالملك بطليموس الرابع فيلوباتر، ويعني خصوصا ببيان كيف أن العناية قد أنقذت يهود الإسكندرية من بين أيدي ذلك الحاكم.
١ نلاحظ عندما نقرأ ما كتبه الشهرساني عن اليهودية أو فرقها: عدم وجود مسحة من التراث الفلسفي اليوناني على اليهودية، وينسب الشهرستاني تحيرهم وتفرقهم إلى دعوة موسى عليهم، كذلك لا نجد من قريب ولا من بعيد قضية من قضايا الفلسفة، إنما الذي لاحظناه أن الاختلاف يدور حول الأخذ بالنص أو التأويل، ووراء ذلك كله حبهم لعزلتهم القومية.