للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا شاركت في دخول المسيحية الكنيسة بآبائها اليونانيين في نشر الثقافة اليونانية من جانب، وإسباغ ثوب الثقافة اليونانية على المسيحية من جانب آخر، وبلغ منها أن باتت تفضل قراءة العهد القديم في ترجمته اليونانية.

ثم بدأت جهود فردية تعكف على التوفيق بين العقيدة المسيحية والفلسفة اليونانية، وظنوا أن تضافرها مع الفلسفة يعطيها قوة، ولكن خيب ظنهم انشقاقها العقدي الذي ظهر فيما بعد.

وظهر الأثر الفلسفي على القديس بولس -وهو رائد التوفيق بين المسيحية والتراث الفكري عند الشعوب الداخلة فيها في رسائله التي وفق فيها بين المسيحية والفلسفة اليونانية- وظهر جليا: عندما نشبت الخصومات داخل الكنيسة أن صيغت هذه الخصومات في مصطلحات فلسفية يونانية ودارت معاركها وفقًا للأصول الفلسفية.

وقد استخدم القديس بولس -وهو من أهل طرسوس أحد مراكز الرواقية المختارة: لغة تلك المدرسة؛ للتعبير عن المجتمع الروحي الذي ينتظم كل المسيحيين أعضاء، وتتردد باستمرار في رسائله: فكرة رعوية سماوية، وفي عظته في أثينا: اقتبس من أنشودة إفلينشي الرواقي لزيوسن وأعلن في ألفاظ تردد صدى العقائد الأساسية في المذهب الرواقي: أن الله لا يسكن هياكل مصنوعة بالأيدي، وأنه "صنع من دم واحد: جميع أمم الناس؛ ليسكنوا كل وجه الأرض"١

وهكذا منذ البدء أتيح للكنيسة المسيحية أن تكون مبشرة بالثقافة العقلية اليونانية، وبالعقيدة الإنجيلية معًا.

ورأينا وجهة نظر يهودية معاصرة تقول: إن دخول المسيحية في الهلينية: انحراف منها إلى اليسار، وأنهم يدفعون بأنفسهم في استهانة متزايدة نحو التراخي، ويدفعون من جانبهم: الحركة الهلينية في اطراد إلى الأمام.

وبسبب هذه الانتقادات اليهودية: وقعت خصومة٢ بين اليهود والمسيحيين.


١ "الأعمال ص٩: ٢٨" هو "لأننا أيضا ذريته" يراجع تراث العالم القديم جـ١ ص٢٣٨.
٢ قد سجلت الخصومة بين هاتين الطائفتين في "أعمال الرسل الحواريين".
وأشار القرآن إلى نتائج هذه الخصومة بينهما، فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} "البقرة: ١١٣".

<<  <   >  >>