وكانت هذه الخصومة ما يفيد أن المسيحية هي وريثة الهلينية، وذلك عندما سايرت إلى حد كبير تيار الفكر الهليني في الشرق.
وفي النهاية نقول: لقد حققت المسيحية توسعا دينيا، فأصبحت الدولة الرومانية مسيحية بعد وثنيتها اليونانية، وأصبح من المعالم البارزة التي طبعها الشرق على الغرب: أن دان الغرب بدين شرقي، غير أن الغرب أخذها بعد أن طبعها اليونان بطابعهم الفلسفي، مما جعلها فيما بعد إبان عصور النهضة الأوربية محل انتقاد من البعض، ورفض وإنكار من البعض الآخر.
وفي هذا ما يميز الإسلام عنهما: فهو قد انتشر بلغته، وكتابه، وشمل أمما، وشعوبا، فضلوا لغته على لغاتهم، كذلك يتميز بأنه دين دعوة منذ أن نشأ، وفي حياة الرسول نفسه: أرسلت سفراء، وكتب؛ لنشر الدعوة الإسلامية، وكان له من القوة التي كفلت له حمل السيف، على من ناصبه العداء، أو في سبيل تأمين دعوته إذا تعرضت لمناورات الخصوم المعارضين.
وكان من أكبر الآثار الفلسفية على المسيحية: أن صرفت النصارى عن التوحيد دين المسيح، إلى عبادة الصليب، وفي هذا التحول تغير مفهوم المقدس الحقيقي لديها؛ لأن الصلب والصليب لم يكن تشريعا منه.
وعلى أية حال لقد توسعت في مفهوم المقدس حين أدخلت قضايا فلسفية إلى صميم دينها بل إلى صميم عقيدتها.
يقول جيبون:
وخلط الغنوصيون، بالإيمان بالمسيح: كثيرًا من العقائد، والمذاهب الغامضة، تلك اشتقوها من الفلسفة الشرقية، بل حتى من ديانة زرادشت التي تتعلق بخلود المادة، ووجود عنصرين والتسلل الغامض للعالم غير المرئي.
واستطاع هؤلاء الهراطقة الغنوصيون أن يخرجوا بدلا من الناجيل الأربعة التي قررتها الكنيسة بمجموعة كبيرة من التواريخ، التي تلتئم فيها مناقشات المسيح، وحوارييه، وأعمالهم، مع أفكار كل شيعة بعينها.