قال أبو يوسف أيشع القطيعي النصراني في كتابه في الكشف عن مذاهب الحرنانيين المعروفين في عصرنا بالصابئة: إن المأمون اجتاز في آخر أيامه بديار مصر، يريد بلاد الروم للغزو، فتلقاه الناس يدعون له وفيهم جماعة من الحرنانيين، وكان زيهم -إذ ذاك- لبس الأقبية، وشعورهم طويلة بوفرات١ كوفرة قرة جد سنان بن ثابت، فأنكر المأمون زيهم، وقال لهم: من أنتم من الذمة؟
فقالوا: نحن الحرنانيون.
فقال: أنصاري أنتم؟
قالوا: لا.
قال: أمجوس أنتم؟
قالوا: لا.
قال لهم: أفلكم كتاب أو نبي؟
فجمجموا في القول.
فقال لهم: فأنتم إذن الزنادقة، عبدة الأوثان، وأصحاب الراس في أيام الرشيد والدي؟ وأنتم حلال دماؤكم لا ذمة لكم؟
فقالوا: نحن نؤدي الجزية، فقال لهم: إنما تؤخذ الجزية لمن خالف الإسلام من أهل الأديان، الذين ذكرهم الله في كتابه، ولهم كتاب، وصالحهم المسلمون عن ذلك.
فأنتم لستم هؤلاء ولا من هؤلاء فاختاروا الآن أحد أمرين:
إما أن تنتحلوا دين الإسلام، وإما دينا من الأديان التي ذكرها الله في كتابه.
وإلا قتلناكم عن آخركم؟ فإني قد أنظرتكم إلى أن أرجع من سفرتي هذه فإن أنتم دخلتم في الإسلام، أو في دين من هذه الأديان التي ذكرها الله في كتابه،
١ قال أبو حبان في البحر المحيط "١: ٢٣٩": قال قتادة والكلبي: هم بين اليهود والنصارى يحلقون أوساط رءوسهم ويجبُّون مذاكرهم ثم قال: إنه رأي غريب قرأته وذكرته ولم يتحقق لدي.