للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما ذكره ابن النديم المتوفى ٣٧٨هـ يفيد من ظاهر نصه أن نحلة الصابئة انتحلت لهم في عصر المأمون وهو قابل للطعن وغير قابل للرفض.

أما قابليته للطعن: فإن ما ذكره الشهرستاني عند الحرنانيين "بأنهم جماعة من الصابئة"١ هذه العبارة تتيح مجالا للطعن فيما قاله ابن النديم فضلا عن كتب التاريخ الفكري التي تجعل حران مركزا مهما للتبادل الثقافي في تلك المنطقة، وتجعل أهلها وثنيين يعبدون الكواكب مما دفعهم إلى ملاحظة السماء والتعمق في الدراسات الفلكية، وهذه الدراسات لها عند الصابئة مكانتها الأولى العلمية والتقديسية، ومما يضاف إلى الطعون السابقة قول الألوسي: وهؤلاء أي الصابئة كانوا قوم إبراهيم وهم أهل دعوته وكانوا بحران٢.

ونرى أنفسنا أمام روايات متعددة تسند لحران مذهب الصابئة حينا وتجعلها مركزها القديم سوى نص ابن النديم الذي يقرر أن الصابئة منحولة للحرنانيين.

لذلك قلنا إن النص قابل للطعن وتيار الطعن قوي.

فالشهرستاني: يجعل الحرنانيين جماعة من الصابئة.

والألوسي: يقول إن الحرنانيين أصل الصابئة.

والمسعودي ينسب إلى بوداسف أول من أظهر آراء الصابئة من الحرنانيين والكيماريين وهذا النوع من الصابئة مباين للحرنانيين في نحلتهم.

هذه أقوال يمكن أن تتيح مجالا للطعن في رواية دون أخرى.

فإذا اعتبرنا قول ابن النديم منصرفا إلى هذه الجماعة بذاتها؛ فإنا نصدم بتعقيب داخل النص نفسه يقول: "وانتحلوا هذا الاسم منذ ذلك الوقت؛ لأنه لم يكن بحران ونواحيها قوم يسمون بالصابئة" فنص ابن النديم هو رواية عن كتاب ذكره على أنه حكاية في أمرهم من غير استقصاء تاريخي وعلى ذلك قد نقبلها ونصرفها إلى هذه


١ الملل والنحل
٢ بلوغ الأرب "٢: ٢٢٤" ويذكر أحمد أمين رواية ابن النديم ويأخذ بها فيقول: وهم الذين تسموا بعد ذلك في عصر المأمون وبعده بالصابئين وكان منهم كثيرون من المؤلفين ومن تولوا الترجمة: فجر الإسلام "١: ١٣٠".

<<  <   >  >>