للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على وجه التحقيق كيف بدأ وصول هذه الكتابات إلى حران ولا في أي زمن بدأ ولا الرجال الذين تم على أيديهم نقل هذه الثقافة.

ويحدثنا التاريخ أيضا: أن جماعة الحرنانيين الذين كانوا يعرفون باسم الصابئة.

قد اتخذوا فلسفة هرمس: دينًا لهم، واعتبروا هرميس وأغاثا ذيمون وغيرهما من الحكماء الذين وردت أسماؤهم في الرسائل الهرميسية أنبياءهم، كما اعتبروا هذه الرسائل: كتابهم المقدس، وأن وثنيي حران عندما أمنوا جانب المسلمين ونال بعضهم الحظوة عند خلفاء بني العباس تدفق سيلهم على بغداد وأسسوا المدرسة الأفلاطونية الحديثة أشبه بالمدرسة الأفلاطونية الحديث التي كانت قائمة في أثينا حتى أغلقها الإمبراطور جوستنيان حوالي سنة ٣٥٠م غير أن مدرسة بغداد الحرانية جعلت من أول أغراضها نشر تعاليم هرميس وإذاعتها بينما أغفلت أختها الأثينية هذه التعاليم وأهملتها١.

منذ ذلك الوقت اشتهر اسم هرميس في الأوساط الإسلامية وقد استحدث عنه وعن عجائب حكمته وعلمه، وظل موضع إجلال المسلمين واحترامهم حتى نهاية القرن السادس الهجري، ورفعه المسلمون لا إلى مصاف الآلهة كما فعل اليونان والمصريون بل إلى مصاف الأنبياء مما يثبت قطعا أن الفلسفة الهرميسية لم تصل إلى المسلمين في صورتها اليونانية الخالصة بل وصلتهم بعد أن امتزجت ببعض الأفكار والعقائد الإسرائيلية، ومما يثبت تأثر الفلسفة الهرميسية التي وصلت المسلمين بالأفكار اليهودية أن الهرامسة تعددوا عندهم وأصبحوا ثلاثة:

الأول: هرميس الهرامسة الذي قالوا عنه: أنه إدريس النبي أو أخنوخ، وقد ذكروا: أنه ولد بمنف، وعاش قبل الطوفان، وعنه ظهرت كل العلوم التي عرفها الإنسان في ذلك العهد.

الثاني: هرميس البابلي، الذي اعتبروه من تلاميذ فيثاغورس، وقد ذكروا أنه عاش بعد الطوفان، وأنه كان عالما بالطب والفلسفة وطبائع الأعداد والكيمياء. ونسبوا


١ الأثر الفلسفي الإسكندري في قصة حي بن يقظان: أبو العلا عفيفي لجنة التأليف والترجمة والنشر، بحث من مجلة كلية الآداب بجامعة فاروق الأول. الإسكندرية المجلد الثاني ١٩٤٤.

<<  <   >  >>