كل سنة يوما، فخلص منهم أربعة نفر نجيا، ثم قال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتمن بعضكم على بعض، قالوا: أجل وهم: ورقة بن نوفل، عبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل١، فقال بعضهم لبعض: "تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم؛ فإنكم والله ما أنتم على شيء، فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم.
فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى علم علما من أهل الكتاب، وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هناك نصرانيًّا، وكان عبيد الله بن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله وهم هناك من أرض الحبشة فيقولون: فقحنا -أي أبصرنا- وصأصأتم؛ أي تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد، وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر وحسنت منزلته عنده.
قال صاحب الروض: إن قيصر الروم كان قد توج عثمان وولاه أمر مكة، فلما جاءهم بذلك أنفوا من أن يدينوا لملك، وصاحَ الأسود بن أسد بن عبد العزى ألا إن مكة حي لقاح لا تدين، فلم يتم له مراده.. قال: وكان يقال له البطريق ولا عقب له ومات بالشام مسمومًا سمه عمرو بن جفنة الغساني الملك.
١ ذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب: أسماء أناس من العرب دعوا قومهم إلى الله ونبهوهم على آياته في زمن الفترة كقس بن ساعدة، ورباب السيتي وبحيرا الراهب، وكان من عبد القيس.