عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا عزَّى أدين ولا ابنيتها ... ولا صنمي بني عمرو أزور
ولا هبلا أدين وكان ربا ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا ... كثيرا كان شأنهم الفجور
وبينا المرء يعثر تاب يوما ... كما يتروح الغصن العطير
ولكن أعبد الرحمن ربي ... ليغفر ذنبي الرب الغفور
فتقوى الله ربكم احفظوها ... متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرار دارهم جنان ... وللكفار حامية سعير
وخزي في الحياة وإن يموتوا ... يلاقوا ما تضيق به الصدور
وقال مما ذكره أبو الفرج:
أدين إلها يستجار ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
ومما سبق نلحظ أن هؤلاء الأربعة خرجوا عن الوثنية، ثم بعد ذلك تفرقوا إلى وجهات مختلفة غير وجهة الوثنية، وكانت لهم وجهة نظر في اطراح الوثنية هى: أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع، وهم إذ يقولون هذا يخرجون عن وصف قطعة الحجر أنها كذلك، غير أنهم لم يبحثوا فيما وراء ذلك من مشكلات دينية، وعلى الرغم من أنهم لم يستهزئوا بالدين استهزءوا بالإله المصنوع من حجر وغيره، فإن من الواضح أن فكرة وجود إله مغاير لما عليه الأصنام كانت تؤرقهم غير أنهم لم يبحثوها ولو من ناحية تحقيق حاجاتهم الدينية التى كانوا يحسون أن ما هم عليه لا يحقق رغبتهم فيها ولا سيما بعد ما بدا لهم أن آلهتهم تعتبر غريبة على هذا العالم.
ولقد رأوا أن عليهم اختيار دين آخر مما هو منتشر بينهم، فمنهم من اتخذ سبيل المسيحية والبحث كورقة، ومن تحير إلى أن تنصر ومات كعبيد الله بن جحش، ومن وقع في براثن السياسة كابن الحويرث، ومن قال: "كذلك يفعل الجلد