ومن ناحية المعنى الاصطلاحي نراه يشملهم جميعا من باب قصدهم؛ فهم قصدوا جميعا -عند ما انسحبوا من عبادة الأوثان ودين قومهم الحنيفية، أو من باب التغليب أي لما كان منهم من انتسب إلى الحنفاء سموا جميعا بالحنفاء؛ لأن الذى اعتنق الحنيفية بعد أن بحث عنها واحد منهم فقط.
أما من ناحية: أهل الحنث.
حنث في اليمين: أي نقضها.
قال الجوهري: بلغ الغلام الحنث: أي بلغ المعصية أو الطاعة.
وفيه أن الرسول كان يأتي حراء، فيتحنث فيه: أي يتعبد فيه.
يقال: فلان يتحنث: أي يفعل فعلا يخرج به من الإثم والحرج.
ومنه حديث حكيم بن حزام: أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية؛ أي أتقرب بها إلى الله.
ومنه حديث عائشة: ولا أتحنث إلى نذري؛ أي: لا أكسب الحنث وهو: الذنب والإثم.
ومنه: تكثر فيهم أولاد الحنث؛ أي: أولاد الزنا.
ما عرضناه من معانٍ لكلمة "الحنث" هو معانٍ صالحة لإطلاقها على أهل الحنث، فهم حنثوا؛ أي: نقضوا ما توعدوا عليه وهو طلب الحنيفية، ثم لم يطلبها غير واحد.
وبعضهم بلغ بحنثه "عبادته" المعصية، ولا سيما ما كان من بعضهم عندما ترك الحق واتبع السياسة فأهلكته، والبعض الآخر بلغ بحنثه الطاعة، وكلهم طلبوا أمورا صالحة في نظرهم لتعبدهم، وكلهم فعلوا فعلا خرجوا به من الإثم إلى الطاعة بحسب اجتهادهم.
وهكذا أوقفتنا معاجم اللغة -كما رأينا- أمام حشد من المعاني دون تنبيه منها يبين متى نشأ المعنى الاصطلاحي للفظ أو متى نقل من معناه اللغوي إلى معناه المذهبي.