ولقد كانت الكعبة حرم الله الآمن موطنًا لدعوة إسماعيل وأهله من نسله، فكانت منذ أن عهد الله ببنائها إلى إبراهيم وإسماعيل هي محل تقديس، وأرضًا لدين سماوي أقامه إسماعيل فيها وحولها، إلى أن آلت مقاليدها إلى جرهم ظلمًا من ولد إسماعيل -ورأى إسماعيل عدم منازعتهم لخئولتهم من جهة وإعظامًا لحرمة البيت من جهة أخرى.
بيد أن جرهم بغوا فيها واستحلوا كثير من الحرمات: فظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها فتفرق أمرهم، فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة "لعلها مناف" بن كنانة وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا على حربهم وإخراجهم من مكة، فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة، وآل أمر البيت إلى رئيسهم عمرو بن لحي.
وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلمًا ولا بغيًا ولا يبغى فيها أحد إلا أخرجته.