فزعم التاريخ: أن عمرو بن لحي لما ساد قومه وترأس على طبقاتهم وولي أمر البيت الحرام اتفقت له سفرة إلى البلقان، فرأى قومًا يعبدون الأصنام، فسألهم عنها، فقالوا: هذه أربابنا نستنصر بها فننصر، ونستسقي فيها فنسقى، فالتمس إليهم أن يكرموه بواحد منها فأعطوه الصنم المعروف "بهبل" فسار به إلى مكة ووضعه في الكعبة ودعا الناس إلى تعظيمه، وذلك في أول ملك "سابور ذي الأكتاف".
وواضح من هذه الرواية أنها تسند أول عملية أدخلت فيها الأصنام للحرم إلى عمرو بن لحي، وأنه أتى بها من اليونان، فالوثنية اليونانية دخلت مكة، وهذا من الآثار اليونانية، وهذه الرواية١ يبدو أنها أكيدة؛ لأن الأصنام غير "هبل" كانت حجارة خالية من الفن، والذوق الجمالي، فلو أنهم أبدعوها لألبسوها مسحة فنية جمالية، وفي هذا ما يشير إلى أن العربي غير من دينه الحنيفي، لكنه ظل محبًّا لرمزياته المقدسة، ومن أهمها الكعبة فحينما ابتدع أصنامًا أو حينما أتى بها من الخارج في بعض رحلاته رأيناه يودعها في الكعبة، فالرمزيات عند العربي، لا تخرج عن معنى: الإلف، والعادة، والفرث، ولا تحمل لديه مضمونا فكريا أو دينيا، لذلك كنا نراه لا يعنى بالدين في شيء، فالمعنى الديني عنده لا يخرج عن معنى العصبية القبلية، ولعل ما قاله لهم عمرو بن لحي: نستنصر فننصر، وقد صارت عقيدة بينهم توارثوها، ونراها ظهرت على