لسان عبد المطلب وهو يفاوض أبرهة حينما قال له: أما الإبل فهي لي وأما البيت فله رب يحميه"، وتعني هذه العبارة في نظرنا أن العربي يتميز بنظرته المادية، هذا من ناحية، وأما من ناحية الموقف العربي القبلي أمام أبرهة فلم يظهر بالمستوى اللائق به فإنه كان قبليا في تشتته وليس عربيا، فالوحدة العربية ظهرت مع الدعوة الإسلامية، ولعل ذلك يرجع في نظرنا إلى العربي نفسه حين أيد وجهة نظر العربي المفاوض: إن الأمان يتحقق عند العربي حين يأمن اقتصاديا ولو أوذي الدين وليس الأمان في الدين حين يهدد الاقتصاد، وكانت هذه النظرة من أهم ما كافحها الإسلام.
ونظرته المادية هذه هي التي دفعتهم -وفقا لما يقول المؤرخون الإسلاميون- إلى الاعتقاد أن فكرة الحجر المقدس نشأت أساسًا من حبه للكعبة وارتباطه الديني بها منذ أن بناها أبوه إبراهيم وربط بها ملته الحنيفية، غير أن العربي أكثر من الرمزيات المحسوسة دون مضمون فكري وراءها، فكانت وثنيته من غير مضمون فكري، وكانت أصنامه من غير مسحة فنية، وكانت الوثنية العربية ساذجة.
وأما عن الرواية الثانية فإنها ذكرت في أكثر من مصدر، يقول الألوسي: "وقد بلغ تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجون البيت ويعتمرون ويطوفون، فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرًا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت، ثم يجعله في طريقه قبلة ويطوف ويصلي له تشبيها بأصنام البيت، ثم أفضى بهم الأمر بعد طول المدة إلى أن كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فلذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفًا منهم بأصنام الحرم وليس تذوقا للمعنى الديني القويم.
ثم نعود فنقول نحن بين روايتين:
رواية عمرو بن لحي التي تقرر أن الأصنام وافدة من اليونان، أي نشأت عن مصادر خارجية.
والرواية الثانية: تقرر أنها ليست وافدة وإنها هي من صنعهم، أي نشأت نشأة محلية، ولا مانع لدينا أن نأخذ بالروايتين معًا على أساس أن عمرو بن لحي استقدم