للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام شبيهة بالعاطفة التي كانت تسيطر على النفوس عند العبرانيين في مرحلة البداوة وهي:

الاعتقاد بتعدد الشياطين وهذا نوع من المذهب النفسي ومن صفاته: شعور الرجل بأنه محاط بقوى خفية يصعب عليه تحديد ماهيتها وتسميتها بأسماء خاصة إلا أنه يعجز دوما عن تشخيصها.

فإن عبادة الأوثان والإيمان بالجن والأغوال -وهي نفوس شريرة تهاجم الإنسان في الوحدة"- كل هذا يشكل أساس الدين ومذهبه الفكري في علاقتهم بالحياة.

وإن تعدد الآلة في صلته الضيقة مع تعدد الشياطين يدل على استعداد العرب القدماء لتشخيص القوة الكامنة في الأشجار وينابيع المياه وتسميتها بأسماء وربطها مع الإلهيات، ومهما يكن منشأ تعدد الآلهة، فلا نرى بدًّا من تقرير أنه أفاد العرب باستثناء بعض النفوس المتزمتة في بعض المراكز الحضارية، وقادهم إلى جعل الدين مصدر تأملات أو بحوث نظرية.

على أن حوادث الحياة والتجارب مع العلم بأن قوى الطبيعة هي الغالبة في الصحراء قد نمت في العربي المحارب قدرية عميقة لا لأن العربي يشبه أيوب الصابر على الأذى؛ بل لأن العربي المحارب بالإضافة إلى المتناقضات في خلقه لا يحتمل أحداث الحياة بصورة سلبية فإنَّ موقفه منها بادئ الأمر هو: موقف المناضل غير أنه إذا وجد أمام المقدور انحنى خاضعا شاعرًا بعقم الجهد أمام هذه القوى الهائلة المنطوية تحت كلمة "الدهر".

وهذا الاستسلام النهائي يملي عليه حكمًا ذات يسارة لا تخلو من السمو موحية إليه بتصرفات عرضية ولكنها مؤثرة جدا في بعض الأحيان، وهكذا كان العربي بارتفاعه فوق نظرته التافهة للوجود قد عوض إلى حد ما عن فقر فكره الديني.

<<  <   >  >>