للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذهب "رينان": إلى أن العرب هم مثل سائر الساميين الآخرين موحدون بطبعهم، وإن ديانتهم هي من ديانات التوحيد!

وهو رأي يخالفه فيه نفر من المستشرقين.

وقد أقام "رينان": نظريته هذه في ظهور عقيدة التوحيد عند الساميين من دراسته للآلهة، التي تعبد لها الساميون.

ومن وجود أصل كلمة "أل. أيل" في لهجاتهم، فادعى أن الشعوب السامية كانت تتعبد لإله واحد، هو "أل. إيل" الذي تحرف اسمه بين هذه اللهجات، فدعي بأسماء أبعدته عن الأصل؛ غير أن أصلها كلها هو إله واحد؛ هو الإله "أل. إيل".

وقد ذهب أهل الأخبار إلى أن العرب الأولى كانت على ملة إبراهيم من الإيمان بإله واحد أحد؛ اعتقدت به، وحجت إلى بيته وعظمت حرمه، وحرمة الأشهر الحرم؛ بقيت على ذلك؛ ثم سلخ بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم، وإسماعيل غيره؛ فعبدوا الوثان، وابتعدوا عن دين آبائهم وأجدادهم؛ حتى أعادهم الإسلام إليه.

ونظرية "أن العرب جميعًا كانوا في الأصل موحدين؛ ثم حادوا بعد ذلك عن التوحيد، فعبدوا الأوثان، وأشركوا": نظرية يقول بها اليوم: بعض العلماء مثل: "ويليم شميد"؛ الذي درس أحوال القبائل البدائية الوثنية، ترجع بعد تحليلها، وتشريحها، ودرسها إلى عقيدة أساسية قائمة على الاعتقاد بوجود القديم؛ الكل، أو الأب الأكبر؛ الذي هو في نظرها العلة، والأساس؛ فهو إله واحد؛ وتوصل: إلى أن هذه العقيدة هي: عقيدة سبقت التوحيد؛ ثم ظهر من بعدها الشرك وقد أطلق عليها في الألمانية: مصطلح Urmon Otheismus أي: التوحيد القديم.

رأينا فيما سبق أن الجاهلي عرف حياة دينية تتعمق به حينا ويطفو بها على السطح حينًا آخر، حتى يتسرب الشك إلى نفسه، وحتى يخيل إلينا أن البدوي قليل الدين، وأنه قلما يكترث لما يعبد.

<<  <   >  >>