للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعربي إذ يتعمق في حياته الدينية أو يسخط عليها يصدر في ذلك عن طبيعته البدوية وليس عن فكر ديني في أغلب الأحيان.

فالعربي ذكي إلى حد أنه تكفيه الإشارة، فمأثور الحكمة والأمثال يشهد بذكائه وحاضر بديهته وطبيعته من وراء ذلك، فهو شخص ميال إلى الاعتزال بنفسه بما يخدم حريته الشخصية فلا يدين لأحد، هو ذكي غير ميال إلى التفاهم الاجتماعي.

ونظامه القبلي -وهو شكل اجتماعي بدائي- صرفه عن أن يفكر في محيط اجتماعي أوسع، فلم يفكر في تغيير مجرى حياته الاجتماعية أو الفكرية فانحصر فكره داخل قبيلته ولم يخرجها عن مألوفها إلا بقدر ما يخدم رؤيته الشخصية، فهو عضو في قبيلته مخلص مطيع لتقاليدها، ولذلك عاش العربي مقلدًا غير ميال إلى التغيير الاجتماعي، وكان يحب من الأفكار ما يلهيه ويرفع عنه سآمة الحياة ويتناسب مع سعة الخيال الخاص الذي يتسع للعقاب والغول والجان والشياطين سعة تتناسب أيضًا مع رحابة الصحراء في جزيرة العرب، كان يحب مثل هذا الفكر وليس ذلك لضعف في طبيعة عقله؛ ولكن لميوله الفكرية فهو يرى أنه غير ميال إلى التغيير ولم يغير؟

إنه رئيس في قبيلته أو عضو عامل فيها فالتغيير لماذا؟ إن الحفاظ على وضعه فيه نوع من الفكر الذووي المنغلق على نفسه هو؛ فلذلك اندفع نحو الخرافات؛ ليحفظ بها نظامه القبلي. وليس العربي وحده هو الذي كان مصدقًا للخرافات فالأمة اليونانية فيها خرافات كثيرة تتناسب مع عقلها المنطقي.

فحياته الدينية كانت تقليدًا، وغير مرتبطة بحياة عقلية ناضجة وليست كما يرى بعض الباحثين من أن العقائد الدينية قبل الإسلام خضعت لعوامل التغيير والتحول، ومن هؤلاء الأستاذ أنور الرفاعي؛ إذ يقول: عرف عن عرب ما قبل الإسلام أنهم وثنيون وعرفت وثينتهم وتقاليدهم في القرآن الكريم بالجاهلية وعلى الرغم من

<<  <   >  >>