ذهاب معظم أخبارها، تسرب إلينا نتف كثيرة من أساطير الجاهليين ومعتقداتهم وأفكارهم، وكلها تدل على أن الوثنية ليست بسيطة التركيب ولا قريبة المتناول، فما وصلنا منها يدل على أنها مرحلة راقية، وأن كثيرًا من قديمها قد بقي في متأخرها وأن بعض أحوالها صيغ بالأفكار اليهودية أو الصابئية أو المسيحية أو اتحد مع عقائد أجنبية، ومن الضروري أن نلجأ في تفهمها إلى تصنيف تاريخي يمهد لبيان أطوارها ومعتقداتها في الزمن.
واستعراض الأساطير والعقائد العربية الجاهلية يدلنا على أن الوثنية العربية مرت في أطوار تشبه تلك التي مرت بها وثنيات الأمم الأخرى فإنها عرفت:
١- الطور الحيوي: وفيه اعتقد العرب أن في كل شيء حياةً، فعبدوا الشجر والحجر والجن، واعتقدوا أن الحجر شجر الشياطين، وأن الصفا والمروة هما: رجل وامرأة فسقا في الحرم فمسخا حجرين، وأن الضب هو يهودي مسخ فلا يؤكل لحمه، وأن حجارة الحرم تحمل قدسيته فهم يحملون منها للعبادة في ديارهم ... إلخ.
٢- الطور الطوطمي: وفيه تنحصر الحياة والأرواح في أشياء محدودة: ومن بقايا هذا الطور ما وجد عندهم من تسمية الإنسان بأسماء الحيوان، ومن عبادة بعض البهائم، كالجمل الأسود عند طيئ، والكبش الأبيض، ومن التشاؤم بالغراب والبوم، ومن عبادة الأصنام على شكل الحيوان كيغوث وهو على شكل نسر، ويعوق وهو على شكل فرس ... إلخ.
٣- الطور الوثني وتعدد الآلهة: وفيه وصل العرب إلى تصور الإله بأشكال إنسانية، وتعددت الآلهة عندهم وتخصصت ومهدت للطور الوحداني الذي جاء به الإسلام.
ونحن لا نشايع الأستاذ أنور الرفاعي فيما ذهب إليه من تحليل للوثنية العربية وانتقالها إلى أطوار مختلفة لما رأينا بينهم من أنهم مجتمع قبلي وأن لكل قبيلة معبودها حجرًا أو شجرًا أو حيوانًا، وأنها ذهبت في عبادتها لهذه الأوثان المتعددة والمختلفة مذهب التقليد والمحاكاة.