للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك مثل تعظيم البيت والطواف والحج والعمرة بعرفة والمزدلفة وهدى البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس فيه.

فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: "لبيك اللهم لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك"، فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده بقول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ؛ أي: ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكًا من خلقي.

ولقد لاحظنا أن العربي كان متدينًا سواء الدافع إلى اعتقاده الديني فكره كأمية، ولبيد، وقس بن ساعدة، أو كان الدافع إليه تقليد القبيلة، أو الدافع إليه بعض الاتجاهات السياسية كمسيحية غسان.

وعلى أي حال ومهما كان الدافع فإنه كان متدينا.

وذهب الباحثون في تدينه مذاهب شتى من حيث قضايا الفكر الديني، وليس الحال كما رأى بعض الباحثين من أن العربي وقع بتدينه تحت أطوار مختلفة، ولكننا نقول: إن حال العربي في دينه هو حاله مع آلهته كما تصوره هذه الرواية التاريخية:

يقول الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربًّا وجعل الثلاثة الباقية أثافي لقدره وإذا ارتحل ترك الحجر الرب فإذا نزل منزلا آخر فعل مثل ذلك١.

ويقول أبو عثمان النهدي "ند قبيلة من قضاعة": كنا في الجاهلية نعبد حجرًا ونحمله معنا فإذا رأينا أحسن منه ألقيناه وعبدنا الثاني وإذا سقط الحجر عن البعير قلنا سقط إلهكم فالتمسوا حجرًا٢.

ويقول ابن دريد٣: "كان الرجل منهم إذا وجد حجرًا أحسن من حجر أخذه وعبده"؛ فالعربي لم يعبد الوثن معتقدًا أنه خالق الكائنات؛ لأنه تارة يستقسم عنده وتارة أخرى يسبه ويشتمه، ومرة ثالثة يأكله وقت المجاعة، لذلك لا نعد تصرف


١ الأصنام ص٣٣.
٢ أسد الغابة في معرفة الصحابة "٣: ٣٢٥" ابن الأثير.
٣ الاشتقاق ص٨٦.

<<  <   >  >>