ولقد بنى جالينوس فكرته: على أن الأنفس والأرواح قائمة بذاتها قبل التجسد بالأبدان، والاقتدار على تصاريف العالم، ولذلك سموها "آلهة"، وكانوا أي اليونانيين يسمون الماهر بصناعة الطب: رجل إلهي.
وقال يحيى النحوي في رده على "أبروقلس": كان اليونانيون يوقعون اسم لآلة على الأجسام المحسوسة في السماء، كما عليه كثير من العجم؛ ثم لما تفكروا في الجواهر المعقولة أوقعوا هذا الاسم عليها.
فباضطرار يعلم أن معنى التأله راجع إلى ما يذهب إليه في الملائكة.
يعلق البيروني على ذلك فيقول: ولكن من الألفاظ ما يسمح به في دين دون دين، وتسمح به لغة وتأباه أخرى، ومنها لفظة:"التأله" في دين الإسلام؛ فإنا إذا اعتبرناها في لغة العرب وجدنا جميع الأسامي التي سمى بها الحق المحض متجهة على غيره بوجه ما سوى اسم "الله" فإنه يختص به اختصاصا قيل له إنه اسمه الأعظم.
وإذا تأملناه في العبرية والسريانية اللتين نزلت بهما الكتب المنزلة قبل القرآن وجدنا:"الرب" في التوراة وما بعدها من كتب الأنبياء المعدودة في جملتها موازيا "لله" في العربي غير منطلق على أحد بإضافة كرب البيت، ورب المال ووجدنا الإله فيها موازيا للرب في العربي، فقد ذكر فيها: أن بني ألوهيم نزلوا إلى بنات الناس قبل الطوفان وخالطوهن.
وذكر في كتاب أيوب الصديق: إن الشيطان دخل مع بني ألوهيم إلى مجمعهم وفي توراة موسى: قول الرب: إني جعلتك إلها لفرعون، وفي المزمور الثاني والثمانين من زبور داود: إن الله قام في جماعة الآلهة يعني الملائكة، وسمى في التوراة الأصنام "آلهة غرباء".
يقول البيروني: والأمم الذين كانوا حول أرض فلسطين هم الذين كانوا على دين اليونانيين في عبادة الأصنام، ولم تزل بنو إسرائيل كانوا يعصون "الله" بعبادة صنم "بعلا" وصنم: "استروث" الذي للزهرة. فالتأله على وجه التملك عند أولئك كان يتجه على الملائكة وعلى الأنفس١.