للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: الشيطان حية ذو عرف قبيح الخلقة، وقالوا: الشجرة تكون ببلاد اليمن لها مظهر كريه، رؤوس الشياطين؛ وبهذا لمعنى فسرت رؤوس الشياطين في قوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيم} ١ ... إلخ الآية؛ يعني: شجرة الزقوم في قبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قبحها؛ وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء قال: كأنه شيطان؛ فذلك أحد الأقوال؛ والثاني: أن يكون مثل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا٢.

وكانت الشعراء تزعم: أن الشياطين تلقي على أفواهها الشعر، وتلقنها إياه وتعينها عليه، وتدعي أن لكل فحل منهم شيطانًا يقول الشعر على لسانه؛ فمن كان شيطانه أمرد كان شعره أجود.

وقد انتقلت هذه العقيدة في إلهام الشعر للشعراء إلى المسلمين كذلك، وقد دعا جرير شيطانه الذي يلقي عليه الشعر: إبليس الأباليس.

ويكنى عن الشيطان بالشيخ النجدي، وقد أشير إليه مرارا في كتب السير والأخبار؛ أشير إليه في بنيان الكعبة؛ حين حكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الركن من يرفعه فحضر في زي شيخ نجدي بين الحاضرين، وصاح: يا معشر قريش أرضيتهم أن يليه هذا الغلام دون أشرافكم وذوي أسنانكم، وحضر اجتماع دار الندوة، وأيَّد قرارهم في قتله.

وذكر علماء الأخبار: أنه عرف بالشيخ النجدي؛ لأنه: تمثل نجديا، وقيل: لأن نجدا يطلع منها قرن الشيطان، ورووا أحاديث تذكر ذلك؛ وتذكر أن الفتن تخرج من المشرق والمشرق: "نجد" بالنسبة لأهل الحجاز.

وكان الكهان يستعينون بالشياطين في الإخبار عن المغيبات، يذكرون أن الشياطين يسترقون السمع من السماء؛ فيخبرونهم عن أنباء الأرض؛ وكان للكاهن "صاف بن صياد" شيطان يلقي إليه بما خفي من أخبار الأرض.


١ سورة الصافات آية ٦٤.
٢ المفصل جـ٦ ص٧٣١، تاج العروس جـ٥ ص٣٦٧.

<<  <   >  >>