إن ما تذكره العرب وتنبئ به من ذلك فإنما يعرض لا من قبل التوحد في القفار، والتفرد في الأودية والسلوك في المهامه الموحشة؛ لأن الإنسان إذا صار في مثل هذه الأماكن وتوحد وتفكر إذا هو تفكر وجل وجبن وإذا هو جبن داخلته الظنون الكاذبة والأوهام المؤذية والسوداوية الفاسدة فصورت له الأصوات ومثلت له الأشخاص وأوهمته الحال بنحو ما يعرض لذوي الوسواس، وأنتج ذلك في رأسه سوء التفكير والخروج على غير نظام قوي أو طريق مستقيم سليم؛ لأن المنفرد في القفار والمتوحد في المفاوز مستشعر للمخاوف متوهم للمتالف متوقع للحتوف؛ لقوة الظنون الفاسدة على فكره وانغراسها في نفسه فيتوهم ما يحكيه من هتاف الهواتف واعتراض الجان له.
ونضيف أن مثل هذه الأشياء تعتبر من لوازم الوثنية؛ إذ أن الإيمان بالله موجب لطرح هذه الخواطر الفاسدة.
د- التطير:
- التطير هو: أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع.
- وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها، وكانوا يسمونها السانح والبارح.
فالسانح ما ولاك ميامنة بأن يمر عن يسارك إلى يمينك، والبارح العكس وكانوا يتيمنون بالسانح، ويتشاءمون بالبارح لأنه لا يمكن رمية إلا بأن ينحرف إليه.
يقول ابن حجر: وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي شيئا مما اعتقدوه١.
وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له؛ إذا لا نطق للطير ولا تمييز فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه. وطلب العلم من غير مكانه جهل من فاعله.