الآية الثالثة: من سورة الحج آية ١٧ يقول الله فيها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .
نلاحظ أن القرآن عدد فيها الكثير من الملل والنحل القديمة -رعاية منه للجانب التاريخي- ثم عرض لبعضها بالنقاش، وفصل من قضاياها ما شاء أن يفصل، وأعرض عن البعض -في بعض مسائله- إذا كان مداره قائما على التقليد الساذج الذي لا يراعي فكرا ولا يراعي جانب العقل.
مثل هذه الملل يعرض عنها القرآن، وحسبه فيها أن يردها إلى التقاليد وهو إذ يردها إلى التقاليد يكون قد أصاب المحز في عملية النقد.
وكان الهدف الأساسي من منهج القرآن الجدلي لهذه الملل، هو السعي بذويها إلى نتيجة محددة هي: الإيمان بالله وحده وتنزيهه.
واقتضاء سعيه إلى تلك القضية المحددة، أن يرفع دور العقل ووظيفته ويحط من شأن التقليد مزدريًا إياه، وكان ذلك منه بخطى معينة ومحددة؛ لأن الحياة الاعتقادية التي أشاعتها هذه الأديان كان مجال التفكير فيها محدودًا ضيقًا، والإنسان معها: كان متزمتا، فبسبب مجال التفكير المحدود الضيق -من السيطرة الكاملة لهذه المذاهب المتزمتة عليه- اتخذ القرآن خطواته نحو رفع القيمة للبحث والنقد، وكانت خطواته معها متأنية مترفقة غير أنه لا لين فيها.