للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول جواد علي: والرأي عندي أن العرب الجنوبيين لم يفهموا هذا المعنى من اللفظة إلا بعد دخولهم الإسلام، ووقوفهم على القرآن الكريم وتكلمهم باللغة التي نزل بها وذلك بفضل الإسلام بالطبع، وقد وردت لفظة "عرب" في النصوص علما لأشخاص١.

وقد عرف البدو -أي سكان البادية بالأعراب في عربية القرآن الكريم، وقد ذكروا في مواضع من كتاب الله، وقد نعتوا فيه بنعوت سيئة تدل على أثر خلق البادية فيهم.

وقد ذكر بعض العلماء أن الأعراب بادية العرب وأنهم سكان البادية٢، والنص الوحيد الذي وردت فيه لفظة "العرب" علما على العرب جميعا من حضر وأعراب؛ ونعت فيه لسانهم باللسان العربي، وهو القرآن الكريم، وقد ذهب "د. هـ. ملرا" إلى أن القرآن الكريم هو الذي خصص الكلمة وجعلها علما لقومية تشمل كل العرب، وهو يشك في صحة ورود كلمة عرب علما لقومية الشعر الجاهلي كالذي ورد في شعر لامرئ القيس، وفي الأخبار المدونة في كتب الأدب على ألسنة بعض الجاهليين، ورأْي "ملر" هذا رأي ضعيف لا يستند إلى دليل؛ إذ كيف تعقل مخاطبة القرآن قوما بهذا المعنى لو لم يكن لهم سابق علم به؟

وفي الآيات دلالة واضحة على أن القوم كان لهم إدراك لهذا المعنى قبل الإسلام، وأنهم كانوا ينعتون لسانهم باللسان العربي، وأنهم كانوا يقولون للألسنة الأخرى ألسنة أعجمية؛ قال تعالى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت: ٤٤] ، {هَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا} [الأحقاف: ١٢] . إلخ هذه الآيات؛ ففي هذه الآيات وآيات أخرى دلالة على أن الجاهليين كانوا يطلقون على لسانهم لسانا عربيا، وفي ذلك دليل على وجود الحس بالقومية قبيل الإسلام.

ونحن لا نزال نميز الأعراب عن الحضر ونعدهم طبقة خاصة تختلف عن الحضر، فنطلق عليهم لفظة "عرب" في معنى "بدو وأعراب" أي المعنى الأصلي القديم،


١ المفصل جـ١ ص٢٣، ص٢٤.
٢ المفصل جـ١ ص٢٤.

<<  <   >  >>