للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي أن ما أصاب الغزالي أصاب أهل الإسلام، وعلى أي حال هذا نوع من الإسراف في فهم الذات، وإلا فكيف نفهم أو يفهم الغزالي: أن ما طرأ عليه -من اضطراب أو قلق في أهل الإسلام؛ هذا صنف.

وهناك نوع آخر من الناس تلابسه تلك الحال -حال التوقف في مسائل الإيمان- التي تراهم يهربون منها وبها إلى آراء فلسفية ويلبسونها ألبسة دينية، وفي النهاية لا ندري أهي فلسفة أو دين؟ وعلى أي حال هو نوع من الملق الفكري الاجتماعي يلجأ إليه صاحبه حذر التنكيل به أو اضطهاده من قبل الهيئة الاجتماعية، وقد عرف التاريخ الفكري هذا اللون أيضا وحفظ شعاره وهو: التوفيق بين الفلسفة والدين، وهو شعار طريف فيه طرافة ومتعة للعقل بيد أننا من ناحية النقد العقلي أو العلمي نراه هشًّا ومهوشًا؛ لأننا فيه نساوي بين ما هو مقدس -ونحمل أنفسنا على الدينونة به- وما هو غير مقدس نرى فيه حريتنا الفكرية وذاتيتنا وتمردنا.

فهل يا ترى أي الصفتين أردنا إلباسها بالأخرى؟ هل أردنا إلباس صفة التقديس للفلسفة أم أردنا إلباس صفة البشرية للدين؟ على أي حال جانب الطرافة واضح وجانب التهويش في القضية أوضح، لذلك قلنا: إن هذا اللون من الملق الفكري للهيئة الاجتماعية وفي الوقت نفسه توسعة في مفهوم المقدس، وفي توسعة مفهومة جور على العقل والدين.

بعد ما سبق نرى: أن التراث المقدس ضروري، وتظهر ضرورته في حياة الإنسان الدينية وفي المجتمع حين لا يحجر على الفرد إلا بعد مجاهرته بعدم الإيمان، وأما حقيقة العقيدة فهي تحدد في المستوى النفسي وأمام الله.

على أن التراث المقدس وهو ما كان من الله أو من رسوله، وصفة التقديس تطلق حقيقة على ذلك شكلًا وموضوعًا.

وأصبحت القاعدة في مصدر المقدس وغيره قولهم: كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب الروضة الشريفة.

تبدُّل مفهوم المقدس:

ثم تبدل مفهوم المقدس في نفس الإنسان وفي علاقته به، وكما لاحظنا أن الالتزام بالمقدس شيء ضروري، وأنه ليس بالهين ولا باليسير على الإنسان تركه،

<<  <   >  >>