للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلهم البلاء، فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل، فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون، يدع القلب الحزين ضاحكًا مسرورًا، ويوصل الذاكر إلى المذكور بل يدع الذاكر مذكورًا. وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة.

و «الذكر» عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة. بل هم [مأمورون] بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال: قيامًا، وقعودًا، وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قيعان، وهو غراسها، فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها، وأساسها.

وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقًا: ازداد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقه، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه: نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ اللَّه عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء.

به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظلمة عن الأبصار، زين اللَّه به ألسنة الذاكرين، كما زين بالنور أبصار الناظرين، فاللسان الغافل: كالعين العمياء، والأذن الصماء، واليد الشلاء.

وهو باب اللَّه الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته.

قال الحسن البصري رحمه اللَّه: تفقدوا الحلاوة في ثلاث أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم ... وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.

وبالذكر: يصرع العبد الشيطان، كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان.

قال بعض السلف: إذا تمكن الذكر من القلب، فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يُصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فيجتمع عليه الشياطين، فيقولون: ما لهذا؟! فيقال: قد مسه الإنسي. وهو روح الأعمال الصالحة، فإذا خلا العمل عن الذكر كان كالجسد الذي لا روح فيه. واللَّه أعلم.

فصل

وهو في القرآن على عشرة أوجه:

الأول: الأمر به مطلقًا ومقيدًا.

الثاني: النهي عن ضده من الغفلة والنسيان.

الثالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته.

الرابع: الثناء على أهله، والإخبار بما أعد اللَّه لهم من الجنة والمغفرة.

الخامس: الإخبار عن خسران من لهى عنه بغيره.

<<  <   >  >>