وقال عمر رضي اللَّه عنه: التؤدة في كل شيء خير، إلا ما كان من أمر الآخرة.
وكان الحسن يقول: عجبًا لقوم أمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل، حبس أولهم على آخرهم، وهم قعود يلعبون.
وقال سحيم مولى بني تميم: جلست إلى عبد اللَّه بن عبد اللَّه، فأوجز في صلاته، ثم أقبل عليَّ وقال: أرحني بحاجتك، فإني أبادر. فقلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت. وكان يصلي كل يوم ألف ركعة.
وكانوا يبادرون بالأعمال غاية ما يمكن، فكان ابن عمر يقوم في الليل فيتوضأ ويصلي، ثم يغفي إغفاء الطير، ثم يقوم فيتوضأ يصلي، ثم يغفي إغفاء الطير، ثم يقوم يصلي، يفعل ذلك مرارًا. وكان عمير بن هانئ يُسَبِّحُ كل يوم ألف تسبيحة، وقال أبو بكر بن عياش: ختمت القرآن في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة.
* * *
[ذكر شدة الموت]
اعلم: أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب، ولا هول سوى الموت، لكان جديرًا أن يتنغص عليه عيشه، ويتكدر عليه سروره، وتطول فيه فكرته. والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات، فانتظر أن يدخل عليه جندي يضربه خمس ضربات، لكدرت عليه عيشه ولذته، وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع، وهو غافل عن ذكر ذلك، وليس لهذا سبب إلا الجهل والغرور.
اعلم: أن الموت أشد من ضرب السيف، وإنما يصيح المضروب، ويستغيث لبقاء قوته، وأما الميت عند موته، فإنه ينقطع صوته من شدة ألمه؛ لأن الكرب قد بالغ فيه، وغلب على قلبه وعلى كل موضع منه، وضعفت كل جارحة فيه، فلم يبق فيه قوة الاستعانة، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح والاستغاثة. وتجذب الروح من جميع العروق، ويموت كل عضو من أعضائه تدريجًا، فتبرد أولاً قدماه، ثم ساقاه، ثم فخذاه، حتى تبلغ الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره إلى الدنيا وأهلها، ويغلق دونه باب التوبة،
(١) قال الألباني في «صحيح الجامع» (صحيح) ك، هب عن ابن عباس، حم في الزهد، ص، هب عن عمر ابن ميمون مرسلاً. (قل).