للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خمسًا هي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعفوا، أوفوا، أرخوا، ارجوا، وفروا» والأمر بهذا يفيد وجوب المأمور به، بحيث يثاب فاعله، ويعاقب تاركه، وليست هناك قرينة تصرفه إلى الندب، ومنه يعلم أن حلق اللحية مخالفة صريحة لأمر رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انتهى.

وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب». رواه البخاري ومسلم. وجاء في فقه السنة تعليقًا على هذا الحديث: «حمل الفقهاء هذا الأمر على الوجوب وقالوا بحرمة حلق اللحية بناء على هذا الأمر». انتهى.

[القرآن واللحية]

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: ٩٤] ما نصه: (فهذه الآية بضميمة آية الأنعام إليها، تدل على لزوم إعفاء اللحية، وعدم حلقها، وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ} [الأنعام: ٨٤]، ثم إن اللَّه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠]، فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالاقتداء بهم، وأمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك أمر لنا، لأن أمر القدوة أمر لأتباعه كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية من هذا الكتاب المبارك في سورة المائدة (١). وقد قدمنا هناك أنه ثبت في «صحيح البخاري» أن مجاهدًا سأل ابن عباس رضي اللَّه عنهما: من أين أخذت السجدة في (ص)؟ قال: أو ما تقرأ {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ..... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فسجدها داود، فسجدها رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا علمت بذلك أن هارون كان موفرًا شعر لحيته، بدليل قوله لأخيه: {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} لأنه لو كان حالقًا لما أراد الأخذ بلحيته، تبين من ذلك بإيضاح أن إعفاء اللحية سمت من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات اللَّه وسلامه عليهم). انتهى.

وكما يقال: اللحية تربيها تربيك، وعندما يعفي الإنسان لحيته، يجدها تلزمه بأشياء لا عليه ألا يقوم بها لو كان حالقًا لها، فلو مشي إنسان ملتح مع امرأة متبرجة - حتى ولو كانت أخته - فإن الناس سوف ينظرون إليه نظرة فيها احتقار.


(١) «أضواء البيان» للشنقيطي (ج٤ ص: ٥٠٦). (قل).

<<  <   >  >>