القبور، كما قيل:
فنسيان ذكر اللَّه موت قلوبهم ... وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور
وفي «الصحيح»: في الأثر الذي يرويه رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ربه تبارك وتعالى: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».
وذكرنا في الذكر نحو مائة فائدة (١) في كتابنا «الوابل الصيب من الكلم الطيب»، وذكرنا هناك أسرار الذكر، وعظم نفعه، وطيب ثمرته، وذكرنا فيه: أن الذكر ثلاثة أنواع:
١ - ذكر الأسماء والصفات ومعانيها، والثناء على اللَّه بها، وتوحيد اللَّه بها.
٢ - وذكر الأمر والنهي، والحلال والحرام.
٣ - وذكر الآلاء والنعماء والإحسان والأيادي وأنه ثلاثة أنواع أيضًا: ذكر يتوطأ عليه القلب واللسان وهو أعلاها، وذكر بالقلب وحده وهو في الدرجة الثانية، وذكر باللسان المجرد، وهو في الدرجة الثالثة.
وذكر العبد لربه محفوف بذكرين من ربه له: ذكر قبله، به صار العبد ذاكرًا له، وذكر بعده، به صار العبد مذكورًا، كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢] وقال - فيما يروي عنه نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».
والذكر الذي ذكره اللَّه به، بعد ذكره له: نوع غير الذكر الذي ذكره به قبل ذكره له. «والذكر: هو التخلّص من الغفلة والنسيان».
والفرق بين الغفلة والنسيان: أن «الغفلة» ترك باختيار الغافل، و «النسيان» ترك بغير اختياره، ولهذا قال تعالى: {وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: ٢٠٥] ولم يقل: ولا تكن مع الناسيين، فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف فلا ينهى عنه.
وهو على ثلاث درجات: ثناء أو دعاء أو رعاية:
١ - فأما ذكر الثناء: فنحو «سبحان اللَّه، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر».
٢ - وأما ذكر الدعاء: فنحو {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
(١) وهي التي تقدم ذكرها باختصار. (قل).