عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: ٩٩، ١٠٠]، وقال في حق الصديق يوسف - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: ٢٤].
السبب السابع: تجريد التوبة إلى اللَّه من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه. فإن اللَّه تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠]، وقال لخير الخلق، وهم أصحاب نبيه دونه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٦٥].
فما سلط على العبد ما يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها. وما ينساه مما عمله أضعاف ما يذكره.
وفي الدعاء المشهور: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم» (١).
فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه. فما سلط عليه مؤذ إلا بذنب.
ولقي بعض السلف رجل فأغلظ له ونال منه، فقال له: قف حتى أدخل البيت، ثم أخرج إليك. فدخل فسجد لله وتضرع إليه وتاب، وأناب إلى ربه. ثم خرج إليه فقال له: ما صنعت؟ فقال: تبت إلى اللَّه من الذنب الذي سلطك به عليَّ.
وسنذكر إن شاء اللَّه تعالى أنه ليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها. فإذا عوفي العبد من الذنوب عوفي من موجباتها. فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح.
وعلامة سعادته: أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها. فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به، بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه. واللَّه يتولى نصرته وحفظه، والدفع عنه ولا بد.
فما أسعده من عبد، وما أبركها من نازلة نزلت به، وما أحسن أثرها عليه، ولكن التوفيق والرشد بيد اللَّه، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. فما كل أحد يوفق لهذا، لا معرفة به، ولا إرادة له، ولا قدرة عليه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه. فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ودفع العين، وشر الحاسد. ولو لم يكن في هذا إلا بتجارب الأمم قديمًا وحديثًا لكفى به. فما تكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد. وكانت له فيه العاقبة الحميدة.
السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من اللَّه - وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه.
فكلما ازداد أذىً وشرًّا وبغيًا وحسدًا ازددت إليه إحسانًا، وله نصيحة، وعليه شفقة. وما أظنك تصدق بأن هذا يكون، فضلاً عن أن تتعاطاه، فاسمع الآن قوله عز وجل: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ - وَإِمَّا
(١) صحيح - الحكيم عن أبي بكر - انظر «صحيح الجامع» رقم (٣٧٣١): «الشرك فيكم ... ». (قل).