للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخاتمة

أستغفر اللَّه من هذا الكتاب؛ إن الاستغفار بعد الطاعة لا يقل عن الاستغفار بعد المعصية.

قال ابن القيم رحمه اللَّه: فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها.

وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارًا عقيب الطاعات، لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام بها كما يليق بجلاله وكبريائه. وأنه لولا الأمر لما أقدم أحدهم على مثل هذه العبودية، ولا رضيها لسيده.

وقد أمر اللَّه تعالى وفده وحجاج بيته بأن يستغفروه عقيب إفاضتهم من عرفات وهو أجل المواقف وأفضلها. فقال: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ - ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: ١٩٨، ١٩٩]، وقال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بالأسْحَارِ} [آل عمران: ١٧]. قال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا يستغفرون اللَّه عز وجل. وفي «الصحيح»: «أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثًا، ثم قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» وأمره اللَّه تعالى بالاستغفار بعد أداء الرسالة، والقيام بما عليه من أعباء، وقضاء فرض الحج، واقتراب أجله، فقال في آخر سورة أنزلت عليه: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: ١ - ٣].

ومن هاهنا فهم عمر وابن عباس - رضي اللَّه عنهم - أن هذا أجل رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلمه به، فأمره أن يستغفره عقيب أداء ما كان عليه. فكأنه إعلام بأنك قد أديت ما عليك، ولم يبق عليك شيء. فاجعل خاتمته الاستغفار كما كان خاتمة الصلاة والحج وقيام الليل. وخاتمة الوضوء أيضًا أن يقول بعد فراغه: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين،

<<  <   >  >>