قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه، ولو عزُّوا عليه لعصمهم، وإذا هان العبد على اللَّه لم يكرمه أحد، كما قال تعالى:{وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}[الحج: ١٨]، وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه.
١٤ - ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك، فإن الذنب كلما صغر في عين العبد، عظم عند اللَّه، وقد ذكر البخاري في «صحيحه» عن ابن مسعود قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار».
١٥ - ومنها: أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم. قال أبو هريرة: إن الحبارى (١) لتموت في وكرها من ظلم الظالم. وقال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السَّنَةُ وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم. وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم. فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنة من لا ذنب له.
١٦ - ومنها: أن المعصية تورث الذل ولا بد، فإن العز كل العز في طاعة اللَّه تعالى، قال تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}[فاطر: ١٠]، أي: فليطلبها بطاعة اللَّه فإنه لا يجدها إلا في طاعة اللَّه، وكان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك.
١٧ - ومنها: أن المعاصي تفسد العقل، فإن للعقل نورًا، والمعصية تطفئ نور العقل ولا بد، وإذا أطفئ نوره ضعف ونقص. وقال بعض السلف: ما عصى اللَّهَ أحدٌ حتى يغيب عقله، فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى، وتحت قهره، وهو مطلع عليه، وفي داره على بساطه، وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه، وواعظ الإيمان ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم؟!
١٨ - ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما