وتعطفه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى اللَّه خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه.
فالذنب إما أن يميت القلب، أو يمرضه مرضًا مخوفًا، أو يضعف قوته ولا بد، حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها وهي:«الهم، والحزن، والعجز، والكسل، والجبن، والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال».
والمقصود: أن الذنوب هي أقوى الأشياء الجالبة لهذه الثمانية، كما أنها من أقوى الأسباب الجالبة «لجهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء»، ومن أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم اللَّه تعالى وتقدس، وتحول عافيته إلى نقمته وتجلب جميع سخطه.
٢٨ - ومن عقوبات الذنوب: أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، كما قال علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه:«ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة». وقد قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[الشورى: ٣٠].
٢٩ - ومن عقوباتها: ما يلقيه «اللَّه» سبحانه وتعالى من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا، فإن الطاعة حصن اللَّه الأعظم، الذي مَن دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومَن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب.
٣٠ - ومن عقوباتها: أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب، فيجد المذنب نفسه مستوحشًا، وقد وقعت الوحشة بينه وبين ربه، وبينه وبين الخلق، وبينه وبين نفسه، وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة، وأمرُّ العيش عيش المستوحشين الخائفين، وأطيب العيش عيش المستأنسين.
٣١ - ومن عقوباتها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضًا معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان.
٣٢ - ومن عقوباتها: أنها تعمي بصر القلب، وتطمس نوره، وتسد طرق العلم، وتحجب مواد الهداية.
٣٣ - ومن عقوباتها: أنها تصغر النفس، وتقمعها وتدسيها وتحقرها حتى تصير أصغر من كل شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها. قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس: ٩، ١٠] والمعنى: قد أفلح من أعلاها وكبرها بطاعة اللَّه وأظهرها، وقد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية اللَّه.