القطرات في مرة وصبت عليه لم تؤثر، ولهذا قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل»(١).
ومن الأسباب التي تعظم بها الصغائر أن يستصغر الذنب، فإن الذنب كلما استعظمه العبد، صغر عند اللَّه تعالى، وكلما استصغره العبد، كبر عند اللَّه تعالى، فإن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهيته له.
قال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به هكذا. أخرجاه في «الصحيحين».
وإنما يعظم الذنب في قلب المؤمن لعلمه بجلال اللَّه تعالى، فإذا نظر إلى عظمة من عصى، رأى الصغيرة كبيرة.
وفي البخاري من حديث أنس رضي اللَّه عنه:«إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الموبقات».
وقال بلال بن سعد رحمه اللَّه: لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
ومن الأسباب أن يفرح بالصغيرة ويتمدح بها، كما يقول: أما رأيتني كيف مزَّقت عرض فلان، وذكرت مساويه حتى خجلته، أو يقول التاجر: أما رأيت كيف روجت عليه الزائف، وكيف خدعته وغبنته، فهذا وأمثاله تكبر به الصغائر.
ومنها أن يتهاون بستر اللَّه تعالى وحلمه عنه وإمهاله إياه، ولا يدري أن ذلك قد يكون مقتًا ليزداد بالإمهال إثمًا.
ومنها أن يأتي الذنب ثم يذكره بمحضر من غيره، وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال:«كل أمتي معافًى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل العمل بالليل، ثم يصبح وقد ستره اللَّه عليه، فيقول: يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره اللَّه عليه، ويصبح يكشف ستر اللَّه عنه».