وقد تضاعف السيئات بشرف فاعلها، وقوة معرفته باللَّه، وقربه منه، فإن من عصى السلطان على بساطه أعظم جرمًا ممن عصاه على بعد، ولهذا توعد اللَّه خاصة عباده على المعصية بمضاعفة الجزاء، وإن كان قد عصمهم منها، ليبين لهم فضله عليهم بعصمتهم من ذلك، كما قال تعالى:{ولَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً - إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}[الإسراء: ٧٤، ٧٥].
وقال تعالى:{يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا - وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}[الأحزاب: ٣٠، ٣١] وكان علىُّ بن الحسين يتأول في آل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بني هاشم مثل ذلك لقربهم من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
النوع الثالث: الهمُّ بالحسنات، فتكتب حسنة كاملة وإن لم يعملها، كما في حديث ابن عباس وغيره، وفي حديث أبي هريرة الذي خرجه مسلم:«إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنةً، فأنا أكتبها له حسنةً»، والظاهر أن المراد بالتحدث: حديث النفس، وهو الهم، وفي حديث خريم بن فاتك:«من همَّ بحسنةٍ فلم يعملها، فعلم اللَّه أنه قد أشعرها قلبَه، وحرص عليها، كتبت له حسنة»، وهذا يدل على أن المراد بالهم هنا: هو العزم المصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل، لا مجرد الخطرة التي تخطر، ثم تنفسخ من غير عزم ولا تصميم (١). ومتى اقترن بالنية قول أو سعي، تأكد الجزاء، والتحق صاحبه بالعامل، كما روى أبو كبشة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال:«إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللَّه مالاً وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه اللَّه علمًا، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً، لعملت بعمل فلانٍ، فهو بنيته، فأجرهما سواءٌ، وعبد رزقه اللَّه مالاً، ولم يرزقه علمًا يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبدٍ لم يرزقه اللَّه مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالاً، لعملت فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته فوزرهما سواءٌ».
(١) عوضًا عن ما جاء في «جامع العلوم والحكم» هنا، وتيسيرًا على القارئ - خاصة جانب التحقيق - قال رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من امرئ يكونُ له صلاة بالليل، فيغلبه عليها النومُ، إلا كتب اللَّه تعالى له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة». (صحيح، رواه أبو داود والنسائي، انظر «صحيح الجامع») قال المُناوي رحمه اللَّه تعالى في «فيض القدير»: (وكان نومه عليه صدقة) مكافأة له على نيته، قالوا: وهذا فيمن تعود ذلك الورد، ووقع له عليه النوم أحيانًا). (قل).