للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكلم به أو تعمل» (١) ومن سعى في حصول المعصية جهده، ثم عجز عنها، فقد عمل، وكذلك قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار»، قالوا: يا رسول اللَّه، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ ‍! قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» (٢).

وقوله: «ما لم تكلَّم به، أو تعمل» يدل على أن الهامَّ بالمعصية إذا تكلم بما هم به بلسانه أنه يعاقب على الهَمِّ حينئذ؛ لأنه قد عمل بجوارحه معصية، وهو التكلم باللسان، ويدل على ذلك حديث الذي قال: «لو أن لي مالاً، لعملت فيه ما عمل فلان» يعني: الذي يعصي اللَّه في ماله، قال: «فهما في الوزر سواء».

ومن المتأخرين من قال: لا يعاقب على التكلم بما همَّ به ما لم تكن المعصية التي هم بها قولاً محرمًا، كالقذف والغيبة والكذب؛ فأمَّا ما كان متعلقها العمل بالجوارح، فلا يأثم بمجرد التكلم بما هم به، وهذا قد يستدل به على حديث أبي هريرة المتقدم: «وإذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة، فأنا أغفرها له ما لم يعملها». ولكن المراد بالحديث هنا حديث النفس، جمعًا بينه وبين قوله: «ما لم تكلَّم به أو تعمل»، وحديث أبي كبشة يدل على ذلك صريحًا، فإن قول القائل بلسانه: «لو أن لي مالاً، لعملتُ فيه بالمعاصي، كما عمل فلان»، ليس هو العمل بالمعصية التي هم بها، وإنما أخبر عما همّ به فقط مما متعلّقه إنفاق المال في المعاصي، وليس له مال بالكلية، وأيضًا فكلامه بذلك محرم، فكيف يكون معفوًّا عنه، غير معاقبٍ عليه؟

وبكل حال، فالمعصية إنما تكتب بمثلها من غير مضاعفةٍ، فتكون العقوبة على المعصية، ولا ينضم إليها الهمُّ بها، إذ لو ضم إلى المعصية الهم بها، لعوقب على عمل المعصية عقوبتين، ولا يقال: فهذا يلزم مثلُه في عمل الحسنة، فإنه إذا عملها بعد الهَمِّ بها، أثيب على الحسنة دون الهم بها، لأنا نقول: هذا ممنوع، فإن من عمل حسنة، كتبت له عشر أمثالها، فيجوز أن يكون بعض هذه الأمثال جزاء للهم بالحسنة، واللَّه أعلم.

وقوله في حديث ابن عباس في رواية مسلم: «أو محاها اللَّه» يعني: أن عمل السيئة: إما أن تكتب لعاملها سيئة واحدةٌ، أو يمحوها اللَّه بما شاء من الأسباب، كالتوبة والاستغفار، وعمل الحسنات.


(١) متفق عليه.
(٢) متفق عليه.

<<  <   >  >>