حقيقتها، فاتخذ منها عونًا لسلوك السبيل إلى مرضاة اللَّه.
فلا جرم أنني لا أعني بها تلك التي سمعت باللَّه ولم تفهم عنه شيئًا، وورثت كلمة الإيمان شعارًا على اللسان ولم تستيقن مضمونها عقيدة في الجنان، قد يتكرر اسم اللَّه على لسانها في اليوم أكثر من عشرين مرة، ولكنها لا تنتبه لسلطانه وبالغ سطوته في الشهر أو العام مرة واحدة. مثل هذا الإيمان، لا يورث القلب أي خشية، ولا يقود صاحبه إلى أي اتجاه، ولا شأن له بتقويم شيء من مظاهر الحياة والسلوك. فأنا إنما أتجه بحديثي في هذه الرسالة إلى كل فتاة آمنت باللَّه إيمانًا إراديًّا حرًّا منبثقًا عن رضاها القلبي وشعورها النفسي، ويقيني أن [أمتنا تفيض] بكثير ممن يتمتعن بهذا الإيمان.
أتجه إلى كل فتاة تؤمن في قرارة قلبها باللَّه هذا الإيمان لأقول لها:
إن أمر وجودنا في هذه الحياة جد وأخطر من الجد! .. فلا يحجبنك عن تصور عاقبتها أي لون من ألوان مغرياتها، ولا ينسيك هوانهَا كثرةُ ما ترين من المتعلقين بها. ولا تنسي أن الناس إنما يجتازون إلى اللَّه في هذه الدنيا بساعة امتحان سواء علموا ذلك أم جهلوا، وربما طالت هذه الساعة أو قصرت، ولكنها على كل حال ليست أكثر من ساعة امتحان.
وإذا كان الاجتياز بهذه الساعة الامتحانية قدرًا مشتركًا بين الرجال والنساء على السواء، فإن المرأة تمتاز عن الرجل بحمل عبء آخر شديد الخطورة في الدنيا وعظيم الأثر في العقبى!
فالمرأة بالإضافة إلى كونها تشترك مع الرجل في اجتياز هذه الساعة الامتحانية، تعتبر مادة من أهم موادها الامتحانية ذاتها!
ذلك لأن الشهوات على اختلافها، هي المنزلق الامتحاني الذي بسط اللَّه به وجه هذه الدنيا، وإنما المرأة - بتقرير اللَّه تعالى وصريح بيانه - أول نوع من هذه الشهوات. أوَليس هو القائل:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[آل عمران: ١٣]، فقد عدّ اللَّه النساء في أول مراتب الشهوات التي وضعها زينة وابتلاء في طريق الناس.
ولولا أنها تفوق سائرها في الخطورة والأهمية، ما جعل مرتبتها في الذكر قبلهن جميعًا.