للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد عَبَّرَ اللَّه تعالى عن هذه العقوبة وسببها بقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: ٥٧] فإذا كنت تؤمنين باللَّه فلا ريب أنك تؤمنين بشريعته وباليوم الآخر الذي هو يوم الحساب والجزاء.

وإن من مستلزمات هذا الإيمان، أن تضعي الكلام الذي سردته عليك في هذه الرسالة موضع الجد والاهتمام من تفكيرك. حتى إذا أيقنت أنني لم أخدعك بباطل من القول، ولم أضع بين يديك إلا الحقيقة الصافية التي يتمثل فيها حكم اللَّه عز وجل - كان عليك أن تنهضي إلى تطبيق هذا الحكم بالسير في مراحله المتدرجة. فإن رأيت أن حبال الدنيا وأهواءها، وتقاليد الصديقات والقريبات، تشدك إلى الخلف، وتصدك عن النهوض بأمر اللَّه، فلا أقل من أن تفيض الحسرة في قلبك من ذلك فيسوقك الألم إلى باب اللَّه تعالى وأعتاب رحمته، لتعرضي له ضعفك وتجأري إليه بالشكوى، أن يهبك من لدنه قوة وتوفيقًا، وأن يمنحك العون لتتحرري عن سلطان نفسك، وسلطان التقاليد والعادات، وسلطان الأقارب والصديقات.

أما إن لم ينهض بك الإيمان إلى هذا ولا إلى ذلك، ولم يتحرك القلب الذي وراء ضلوعك بأي تأثر واهتمام لكل هذا الذي حدثتك به - فلتكوني في شك من إيمانك بوجود اللَّه تعالى، ولتعلمي أنك تسيرين - إن استمر بك الحال - إلى نهاية رهيبة وليس منها مخلص ولا مفر! ولتعلمي أن سكر الدنيا مهما كان لذيذًا فيوشك أن تفجأك منها ساعة صحوة وانتباه، وإنها واللَّه لقريبة منك.

ولتعلمي أن مذاقها مهما كان طيبًا فإن في نهايتها غصة ستأخذ منك بالحق، وإنها واللَّه لمقبلة إليك، ثم اعلمي أنه ما من شاب يبتلى منك اليوم بفتنة تغريه، أو تشغل له باله، وكان بوسعك أن تجعليه في مأمن منها إلا أعقبك منها غدًا نكال من اللَّه عظيم.

فاذكري في آخر هذه الرسالة ما قد نبهت إليه في أولها، من أن المرأة في حياة الرجل أخطر ابتلاء دنيوي له على الإطلاق، فاجعلي من تقوى اللَّه تعالى في سلوكك عونًا للرجل على السعي في سبيل مرضاة اللَّه، ولا تجعلي من الإمعان في معصية اللَّه عونًا له على السير في طريق الشيطان.

واللَّه المستعان في الهداية والتوفيق (١) ... انتهي كلام فضيلة الشيخ البوطي أكرمه اللَّه تعالى.


(١) «كتاب إلى كل فتاة تؤمن باللَّه» (ص ٩٦: ١٠١). (قل).

<<  <   >  >>