تعالى وعظمته، ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة، فيتولد من المعرفتين الاستكانة، والخشوع.
ومن ذلك الرجاء: فإنه زائد على الخوف، فكم من معظم مَلكًا يهابه لخوف سطوته كما يرجو بره.
والمصلي ينبغي أن يكون راجيًا بصلاته الثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب.
وينبغي للمصلي أن يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة، فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة ويشمر للإجابة، ولينظر ماذا يجيب، وبأي بدن يحضر.
وإذا ستر عورته فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق، فليذكر عورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنها يكفرها الندم، والحياء، والخوف.
وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت اللَّه تعالى، فصرف قلبه إلى اللَّه تعالى أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها، كذلك القلب لا ينصرف إلى اللَّه تعالى إلا بالانصراف عما سواه.
وإذا كبّرت أيها المصلي، فلا يُكَذّبَنَّ قلبك لسانك، لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من اللَّه تعالى فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة اللَّه تعالى.
فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي ملجأ إلى اللَّه سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغوًا، وتفهم معنى ما تتلو، وأحضر التفهم بقلبك عند قولك: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، واستحضر لطفه عند قولك: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، وعظمته عند قولك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وكذلك في جميع ما تتلو.
وقد روينا عن زرارة بن أبي أوفى رضي اللَّه عنه أنه قرأ في صلاته: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: ٨] فخر ميتًا، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثّرت عنده التلف.
واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل، لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خُلقت منه وتفهم معنى الأذكار بالذوق.
واعلم: أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمة المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون.
فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فإنه لا يطلع على شيء من ذلك بل ينكر