مَعْنَاهُ، وَفِي الصَّوْمِ كَسْرُ شَهْوَةِ النَّفْسِ لِتَنْقَادَ طَائِعَةً لِمَخْدُومِهَا، وَفِي تَشْرِيفِ الْبَيْتِ وَنَصْبِهِ مَقْصِدًا وَجَعْلِ مَا حَوَالَيْهِ حَرَمًا تَفْخِيمًا لَهُ، وَإِقْبَالُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ شُعُثًا غُبُرًا كَإِقْبَالِ الْعَبْدِ إِلَى مَوْلاهُ ذَلِيلا مُعْتَذِرًا أَمْرٌ مَفْهُومٌ، وَالنَّفْسُ تَأْنَسُ مِنَ التَّعَبُّدِ بِمَا تَفْهَمُهُ، فَيَكُونُ مَيْلُ الطَّبْعِ إِلَيْهِ مُعِينًا عَلَى فِعْلِهِ وَبَاعِثًا، فَوُظُّفَتْ لَهَا وَظَائِفُ لا تَفْهَمُهَا فَيَتِمُّ انْقِيَادُهَا كَالسَّعِي وَالرَّمْيِ، فَإِنَّهُ لا حَظَّ فِي ذَلِكَ لِلنَّفْسِ، وَلا أُنْسَ فِيهِ لِلطَّبْعِ، وَلا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إِلَى مَعْنَاهُ، فَلا يَكُونُ الْبَاعِثُ إِلَى امْتِثَالِ الأَمْرِ فِيهِ سِوَى مُجَرَّدِ الأَمْرِ وَالانْقِيَادِ الْمَحْضِ، وَبِهَذَا الإِيضَاحِ تُعْرَفُ أَسْرَارُ الْعِبَادَاتِ الْغَامِضَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَنْبَأنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أَنْبَأنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَصْفَهَانِيُّ، أَنْبَأنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَانَحَانِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي أَبُو أُمِّي عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، أَنْبَأنَا أَبُو شَيْبَةَ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَجِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: «فَإِذَا رَمَيْتَ الْجِمَارَ، فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ تَرْمِي بِهَا يُغْفَرُ لَكَ بِهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَاتِ الْمُوبِقَاتِ»
فَصْلٌ
وَرَبَّمَا قَالَ قَائِلٌ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّاجَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَيَحْتَاجُ كُلُّ مِنْهُمْ أَنْ يَرْمِيَ سَبْعِينَ حَصَاةً، وَهَذَا مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالْمَرْمَى مَكَانٌ صَغِيرٌ، ثُمَّ لا يَجُوزُ أَنْ يُرْمَى بِحَصَاةٍ قَدْ رُمِيَ بِهَا، وَتَرَى الْحَصَى فِي الْمَرْمَى قَلِيلا فَمَا وَجْهُ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ: مَا أَخْبَرَنَا بِهِ ابْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، أَنْبَأنَا ابْنُ بَنَّانٍ، أَنْبَأنَا ابْنُ شَاذَانَ، أَنْبَأنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْحَكَمِ، أَنْبَأنَا الْكَدِيمِيُّ، أَنْبَأنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْحَصَى قُرْبَانٌ، فَمَا قُبِلَ مِنْهُ رُفِعَ، وَمَا لَمْ يُقْبَلْ بَقِيَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute