للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ تَلْخِيصِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَتَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ

كَانَ أَبْرَهَةُ الأَشْرَمِ قَدْ بَنَى بَيْعَةً، وَقَالَ: لأُضَيِّفَنَّ إِلَيْهَا حِجُّ الْعَرَبِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَدَخَلَهَا لَيْلا، فَأَحْدَثَ فِيهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبْرَهَةَ، فَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى الْكَعْبَةِ وَلَيَهْدِمَنَّهَا.

فَسَارَ بِجُنُودِهِ، وَاسْتَصْحَبَ الْفِيلَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْغَارَةِ عَلَى إِبِلِ النَّاسِ، فَأَصَابُوا إِبِلا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ بَعْضَ جُنُودِهِ، فَقَالَ: سَلْ عَنْ شَرِيفِ مَكَّةَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي لَمْ آتِ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا جِئْتُ لأَهْدِمَ هَذَا الْبَيْتَ، فَانْطَلَقَ فَلَقِيَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمَلِكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لأُخْبِرَكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِلا أَنْ تُقَاتِلُوهُ، إِنَّمَا جَاءَ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْكُمْ.

فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَا لَهُ عِنْدَنَا قِتَالٌ، وَمَا لَهُ بِهِ يَدٌ، إِنَّا سَنُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ، وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنْ يَمْنَعْهُ، فَهُوَ بَيْتُهُ، وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ مَالَنَا بِهِ قُوَّةٌ.

قَالَ: فَانْطَلِقْ مَعِي إِلَى الْمَلِكِ، فَانْطَلَقَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى أَبْرَهَةَ وَأَكْرَمَهُ وَأَجَلَّهُ، وَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ مَا حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ التُّرْجُمَانُ.

فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا أَصْحَابُكَ.

فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْتُ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، وَلَقَدْ زَهِدْتُ الآنَ فِيكَ، جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ لأَهْدِمَهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْنِي فِيهِ، وَكَلَّمْتَنِي فِي إِبِلٍ أَصَبْتُهَا.

فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَنَا رَبُّ هَذِهِ الإِبِلِ، وَلِهَذَا الْبَيْتِ رَبٌّ سَيَمْنَعُهُ، فَقَالَ

<<  <   >  >>