بَابُ ذِكْرِ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ
وَهَذَا قَدْ يَشْكُلُ فَلْنَشْرَحْهُ: كَانَ أَصْلُ السِّقَايَةِ حِيَاضًا مِنْ أَدَمٍ تُوضَعُ عَلَى عَهْدِ قُصَيٍّ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، وَيُسْقَى فِيهَا الْمَاءُ لِلْحَاجِّ، وَالرِّفَادَةُ: خَرْجٌ كَانَتْ قُرَيْشٌ تُخْرِجُهُ مِنْ أَمْوَالِهَا إِلَى قُصَيٍّ، يَصْنَعُ بِهَا طَعَامًا لِلْحَاجِّ، يَأْكُلُهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ سَعَةٌ؛ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلابٍ اسْتَوْلَى عَلَى الْحَرَمِ، وَجَمَعَ بَنِي كِنَانَةَ، وَقَالَ: أَرَى أَنْ تَجْتَمِعُوا فِي الْحَرَمِ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ خَرَجُوا عَنِ الْحَرَمِ لا يَسْتَحِلُّونُ أَنْ يَبِيتُوا فِيهِ، وَقَالُوا: هَذَا عَظِيمٌ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَخْرُجُ عَنْهُ، فَثَبَتَ فِيهِ مَعَ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا جَاءَ الْمَوْسِمُ، قَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ، وَأَهْلُ حَرَمِهِ، وَإِنَّ الْحَاجَّ زُوَّارُ اللَّهِ وَأَضْيَافُهُ، فَتَرَفَّدُوا، وَاجْعَلُوا طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ حَتَّى يَصْدُرُوا، وَلَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ ذَلِكَ لَقُمْتُ بِهِ، فَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ مِنْ أَمْوَالِهَا، فَجَمَعَ ذَلِكَ، وَنَحَرَ عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ مَكَّةَ جَزُورًا، وَنَحَرَ بِمَكَّةَ جُزُرًا كَثِيرَةً، وَأَطْعَمَ النَّاسَ، وَسَقَى اللَّبَنَ الْمَحْضَ، وَالْمَاءَ، وَالزَّبِيبَ، وَكَانَ قُصَيٌّ يَحْمِلُ رَجْلَ الْحَاجِّ، وَيَكْسُو عَارِيَهُمْ، وَمَازَالَ ذَلِكَ الأَمْرُ حَتَّى قَامَ بِهِ هَاشِمٌ، ثُمَّ أَخُوهُ الْمُطَّلِبُ، ثُمَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَامَ بِهِ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، أَنْبَأنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَرَزَةَ، أَنْبَأنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute