بَابُ غَضِّ الْبَصَرِ فِي الطَّوَافِ
اعْلَمْ أَنَّ غَضَّ الْبَصَرِ عَنِ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، وَلَكَمْ جَلَبَ إِطْلاقُهُ مِنْ آفَةٍ خُصُوصًا فِي زَمَنِ الإِحْرَامِ وَكَشْفِ النِّسَاءِ وُجُوهَهُنَّ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَزْجُرَ هَوَاهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَقَامِ تَعْظِيمًا لِلْمَقْصُودِ، وَقَدْ فَسَدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ بِإِطْلاقِ أَبْصَارِهِمْ هُنَالِكَ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخَرَائِطِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُبَرِّدُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَجَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَمَعَهُ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مِنْ رِجَالاتِ قُرَيْشٍ الْمَعْدُودِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، وَكَانَ عَظِيمَ الْقَدْرِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ بَصُرَ بِرَمْلَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَعَشِقَهَا عِشْقًا شَدِيدًا، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْقُفُولَ هَمَّ خَالِدٌ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: رَمْلَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ رَأَيْتُهَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، قَدْ أَذْهَلَتْ عَقْلِي، وَاللَّهِ مَا أَبْدَيْتُ لَكَ مَا بِي حَتَّى عِيلَ صَبْرِي، وَلَقَدْ عَرَضْتُ النَّوْمَ عَلَى عَيْنِي فَلَمْ تَقْبَلْهُ، وَالسُّلُوَّ عَلَى قَلْبِي فَامْتَنَعَ مِنْهُ.
فَأَطَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ التَّعَجُّبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا كُنْتُ أَقُولُ إِنَّ الْهَوَى يَسْتَأْسِرُ مِثْلَكَ، فَقَالَ: وَإِنِّي لأَشَدُّ تَعَجُّبًا مِنْ تَعَجُّبِكَ مِنِّي، وَلَقَدْ كُنْتُ أَقُولُ إِنَّ الْهَوَى لا يَتَمَكَّنُ إِلا مِنْ ضَعِيفَيْنِ: الشُّعَرَاءِ وَالأَعْرَابِ، فَأَمَّا الشُّعَرَاءُ فَإِنَّهُمْ أَلْزَمُوا قُلُوبَهُمُ الْفِكْرَ فِي النِّسَاءِ وَالْغَزَلَ، فَمَالَ طَبْعُهُمْ إِلَى النِّسَاءِ، فَضَعُفَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ دَفْعِ الْهَوَى فَاسْتَسْلَمُوا لَهُ مُنْقَادِينَ.
وَأَمَّا الأَعْرَابُ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يَخْلُو بِامْرَأَتِهِ فَلا يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ غَيْرَ حُبِّهِ لَهَا.
وَجُمْلَةُ أَمْرِي مَا رَأَيْتُ نَظْرَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute