فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي حَدَّ ذَاتَ عِرْقٍ، وَإِنَّمَا حَدَّهَا لَهُمْ لِأَنَّهَا حَذْوُ قَرْنٍ، أَيْ: مُحَاذَيِتُهَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» ، فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ وَقَّتَهَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتِ الْعِرَاقُ.
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ «ذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ الْأَرْبَعَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَاتَ عِرْقٍ» .
فَصْلٌ
فَهَذَهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، فَمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِمَّنْ يُرِيدُ النُّسُكَ، لَزِمَهُ أَنْ لا يُجَاوِزَهَا حَتَّى يُحْرِمَ.
فَإِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مَنْ يُرِيدُ النُّسُكَ، ثُمَّ أَحْرَمَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ أَوْ لَمْ يَعُدْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ مُلَبِّيًا سَقَطَ الدَّمُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَسْقُطُ الدَّمُ بِكُلِّ حَالٍ إِلا أَنْ يَعُودَ بَعْدَ الطَّوَافِ.
فَإِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لا لِلنُّسُكِ بَلْ لِحَاجَةٍ، فَلا تَخْلُو هَذِهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَكَرِّرَةٌ كَالتِّجَارَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحَرَامُ أَمْ لا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلانِ لِلشَّافِعِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute