للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَانْكَسَرَتِ الْمَرْكَبُ وَغَرِقَ كُلُّ مَا فِيهِ، وَكَانَ فِي وِطَائِي لُؤْلُؤٌ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلافِ دِينَارٍ.

وَقَرُبَتْ أَيَّامُ الْحَجِّ وَخِفْتُ الْفَوَاتَ، فَلَمَّا سَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرُوحِي وَنَجَاتِي مِنَ الْغَرَقِ مَشَيْتُ، فَقَالَ لِي جَمَاعَةٌ كَانُوا فِي الْمَرْكَبِ: لَوْ وَقَفْتَ عَسَى يَجِيءُ مَنْ يُخْرِجُ شَيْئًا فَيُخْرِجُ لَكَ مِنْ رَحْلِكَ شَيْئًا، فَقُلْتُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا مَرَّ مِنِّي، وَكَانَ فِي وِطَائِي شَيْءٌ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلافِ دِينَارٍ، وَمَا كُنْتُ بِالَّذِي أُوثِرُهُ عَلَى وَقْفَةٍ بِعَرَفَةَ.

فَقَالُوا: وَمَا الَّذِي وَرَّثَكَ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا رَجُلٌ مُولَعٌ بِالْحَجِّ، أَطْلُبُ الرِّبْحَ وَالثَّوَابَ، حَجَجْتُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ وَعَطِشْتُ عَطَشًا شَدِيدًا، فَأَجْلَسْتُ عَدِيلِي فِي وَسَطِ الْمَحْمَلِ، وَنَزَلْتُ أَطْلُبُ الْمَاءَ وَالنَّاسُ عَطِشُوا، فَلَمْ أَزَلْ أَسْأَلُ رَجُلا رَجُلا وَمَحْمَلا مَحْمَلا: مَعَكُمْ مَاءٌ؟ وَإِذَا النَّاسُ شَرْعٌ وَاحِدٌ، حَتَّى صِرْتُ فِي سَاقَةِ الْقَافِلَةِ بِمِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، فَمَرَرْتُ بِمَصْنَعٍ مُصَهْرَجٍ، فَإِذَا رَجُلٌ فَقِيرٌ جَالِسٌ فِي أَرْضِ الْمَصْنَعِ وَقَدْ غَرَزَ عَصَاهُ فِي أَرْضِ الْمَصْنَعِ، وَالْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ مَوْضِعِ الْعَصَا وَهُوَ يَشْرَبُ، فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ، وَجِئْتُ إِلَى الْقَافِلَةِ وَالنَّاسُ قَدْ نَزَلُوا، فَأَخْرَجْتُ قِرْبَةً وَمَضَيْتُ فَمَلَأْتُهَا، فَرَآنِيَ النَّاسُ، فَتَبَادَرُوا بِالْقِرَبِ، فَرَوَوْا عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمَّا رَوِيَ النَّاسُ وَسَارَتِ الْقَافِلَةُ جِئْتُ لِأَنْظُرَ وَإِذَا الْبِرْكَةُ مَلْأَى يَلْتَطِمُ مَوَاجُهَا، فَمَوْسِمٌ يَحْضُرُهُ مِثْلُ هَؤُلاءِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ حَضَرَ الْمَوْقِفَ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، أُوثِرُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ؟ لا وَاللَّهِ وَلا الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، وَتَرَكَ اللُّؤْلُؤَ وَجَمِيعَ قُمَاشِهِ قَالَ الشَّيْخُ فَبَلَغَنِي أَنَّ قِيمَةَ مَا كَانَ غَرِقَ لَهُ خَمْسُونَ أَلْفَ دِينَارٍ

<<  <   >  >>