للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا سُمِيِّتْ بِذَلِكَ لِجَهْدِ أَهْلِهَا.

وَالرَّابَعُ: لِقِلَّةِ الْمَاءِ بِهَا.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَكَّةَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْبَلَدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَكَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ اسْمٌ لِلْبُقْعَةِ الَّتِي فِيهَا الْكَعْبَةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَمَكَّةُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا الْمَسْجِدُ وَالْبَيْتُ.

وَمَكَّةُ: اسْمٌ لِلْحَرَمِ كُلِّهِ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ بَكَّةَ هِيَ مَكَّةُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَاحَتَّجَ لِتَصْحِيحِهِ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِأَنَّ الْبَاءَ تُبْدَلُ مِنَ الْمِيمِ، يُقَالُ: سَبَدَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ وَسَمَدَهُ: إِذَا اسْتَأْصَلَهُ.

وَشَرٌّ لازِمٌ وَلازِبٌ.

فَأَمَّا اشْتِقَاقُ بَكَّةَ فَمِنَ الْبَكِّ.

يُقَالُ: بَكَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَيْ: دَفَعَ.

وَفِي تَسْمِيَتِهَا بَكَّةَ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لازْدِحَامِ النَّاسِ بِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَالثَّانِي: لأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ، أَيْ: تَدُقُّهَا، فَمَا قَصَدَهَا جَبَّارٌ إِلا وَقَصَمَهُ اللَّهُ، قَالَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.

وَالثَّالِثُ: لأَنَّهَا تَضَعُ مِنْ نَخْوَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ، قَالَهُ الْيَزِيدِيُّ.

وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْبَلَدِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: ١] يَعْنِي مَكَّةَ، وَالْبَلَدُ فِي اللُّغَةِ: صَدْرُ الْقُرَى.

وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْقَرْيَةِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل: ١١٢] أَيْ: يُشِيرُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ أَمْنٍ يَأْمَنُ أَهْلُهَا مِنْ أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِمْ، {مُطْمَئِنَّةً} [النحل: ١١٢] أَيْ: سَاكِنَةً بِأَهْلِهَا لا يَحْتَاجُونَ إِلَى الانْتِقَالِ عَنْهَا لِخَوْفٍ أَوْ ضِيقٍ.

{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا} [النحل: ١١٢] وَالرَّغَدُ: الرِّزْقُ الْوَاسِعُ الْكَثِيرُ، يُقَالُ: أَرْغَدَ فُلانٌ، إِذَا صَارَ فِي خَصْبٍ.

{فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل: ١١٢] أَيْ: كَذَّبَتْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: ١١٢] وَأَصْلُ الذَّوْقِ بِالْفَمِّ، وَلَكِنَّهُ اسْتِعَارَةٌ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ كُفَّارَ مَكَّةَ بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ

<<  <   >  >>