للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ أَوَّلُ وَطَنٍ، وَالنَّفْسُ أَبَدًا تُنَازِعُ إِلَى الْوَطَنِ، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا شَيْءٌ لا تَتَخَايَلُهُ النَّفْسُ، فَكَيْفَ تَشْتَاقُ إِلَيْهِ؟ لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ كَانَتْ فِي أَحْوَالٍ وَتَقَلُّبٍ فَنَسِيَتْ، كَمَا أَنَّ الَإِنْسَانَ قَدْ يَمِيلُ إِلَى شَخْصٍ وَلا يَدْرِي، ثُمَّ يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا تَشَاكُلٌ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَمُنَاسَبَةٌ، ثُمَّ لَيْسَ نِسْيَانُ النَّفْسِ لِذَلِكَ الْعَهْدِ بِأَعْجَبَ مِنْ نِسْيَانِهَا لِلْعَهْدِ، وَالْأَوْطَانُ أَبَدًا مَحْبُوبَةٌ

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَذَكَّرَ مَكَّةَ فِي طَرِيقِهِ، فَاشْتَاقَ إِلَيْهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: " أَتَشْتَاقُ إِلَى بَلَدِكَ وَمَوْلِدِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: ٨٥] ".

أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبِي، أَنْبَأَنَا يُونُسُ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي: ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ فَمَرِضَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى، يَقُولُ:

كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

قَالَتْ: وَكَانَ بِلالٌ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى، يَقُولُ:

أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلٌ؟

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ؟

اللَّهُمَّ الْعَنْ عُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ مَكَّةَ.

فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَقُوا، قَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ صَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ» .

قَالَتْ: فَكَانَ الْمَوْلُودُ يُولَدُ بِالْجُحْفَةِ فَمَا يَبْلُغُ الْحُلُمَ حَتَّى تَصْرَعَهُ

<<  <   >  >>