وَهَؤُلاءِ غِلْمَانِي وَخَدَمِي الَّذِينَ مَعَهُ، وَلَكِنِ انْطَلِقْ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ مِنِّي، وَعَانِقْهُ عَنِّي، فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ، وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَجَاءَ إِلَى وَالِدِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَرَفَهُ مَعَ الْخَدَمِ، وَقَالَ: ارْجِعِ انْظُرْ أَيْشِ يُرَادُ بِكَ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
هَجَرْتُ الْخَلْقَ طُرًا فِي رِضَاكَا ... وَأَيْتَمْتُ الْعِيَالَ لِكَي أَرَاكَا
فَلَوْ قَطَّعْتَنِي فِي الْحُبِّ إِرَبًا ... لَمَا حَنَّ الْفُؤَادُ إِلَى سِوَاكَا
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ شُجَاعِ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: أَنْبَانَا هَنَّادٌ، قَالَ: أَنْبَأنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الرِّقِّيُّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الشَّيْطِيِّ، قَالَ: حَجَجْتُ فِي سَنَةٍ جَدْبَةٍ فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إِذَا بَصُرْتُ بِجَارِيَةٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، تَقُولُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي، هَا أَنَا أَمَتُكَ الْغَرِيبَةُ، وَسَائِلَتُكَ الْفَقِيرَةُ، حَيْثُ لا يَخْفَى عَلَيْكَ مَكَانِي، وَلا يُسْتَرُ عَنْكَ سُوءُ حَالِي، وَقَدْ هَتَكَتِ الْحَاجَةُ حِجَابِي، وَكَشَفَتِ الْفَاقَةُ نِقَابِي، فَكَشَفْتَ لَهَا وَجْهًا رَقِيقًا عِنْدَ الذُّلِ، وَذَلِيلا عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ، طَالَ وَعِزَّتِكَ مَا حَجَبَهُ عَنْهُ الْفَنَاءُ، وَصَانَهُ عَنْهُ مَاءُ الْحَيَاءِ، قَدْ خَمَدَتْ عَنِّي أَكُفُّ الْمَرْزُوقِينَ، وَضَاقَتْ بِي صُدُورُ الْمَخْلُوقِينَ، فَمَنْ حَرَمَنِي لَمْ أَلُمْهُ، وَمَنْ وَصَلَنِي وَكَلْتُهُ إِلَى مُكَافَأَتِكَ.
فَدَنَوْتُ مِنْهَا، فَبَرَزْتُهَا، وَقُلْتُ لَهَا: مَنْ أَنْتِ، وَمِمَّنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، مَنْقَلَّ مَالُهُ وَذَهَبَ رِجَالُهُ، كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ؟ ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
بَعْضُ بَنَاتِ الرِّجَالِ أَبْرَزَهَا ... الدَّهْرُ كَمَا قَدْ تَرَى وَأَحْوَجَهَا
أَبْرَزَهَا مِنْ جَلِيلِ نِعْمَتِهَا ... وَأَبْتَرَهَا مُلْكَهَا وَأَخْرَجَهَا
إِنْ كَانَ قَدْ سَاءَهَا وَأَحْزَنَهَا ... فَطَالَمَا سَرَّهَا وَأَبْهَجَهَا
وَطَالَمَا كَانَتِ الْعُيُونُ إِذَا ... مَا خَرَجَتْ تَسْتَشِفُّ هَوْدَجَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute