سِقَايَةَ الْبَيْتِ وَرِفَادَتَهُ، فَأُتِيَ فِي مَنَامِهِ، فَقِيلَ لَهُ: احْفُرْ طَيْبَةَ.
قَالَ: وَمَا طَيْبَةُ؟ فَأُتِيَ فِي الْغَدِ، فَقِيلَ لَهُ: احْفُرْ بَرَّةَ، قَالَ: وَمَا بَرَّةُ؟ فَأُتِيَ مِنَ الْغَدِ، قِيلَ لَهُ: احْفُرِ الْمَضْنُونَةَ.
فَقَالَ: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْفُرْ زَمْزَمَ.
قَالَ: وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ: لا تُزَحُ وَلا تُذَمُّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، عِنْدَ نَقْرَةِ الْغُرَابِ الأَعْصَمِ، وَهِيَ شَرَفٌ لَكَ وَلِوَلَدِكَ.
وَكَالْغُرَابِ الأَعْصَمِ، لا يَبْرَحُ عِنْدَ الذَّبَائِحِ، مَكَانَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ.
فَغَدَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِمِعْوَلِهِ وَمِسْحَاةٍ، وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَجَعَلَ يَحْفُرُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى بَدَا لَهُ الطُّوَى، فَكَبَّرَ، وَقَالَ: هَذَا طُوَى إِسْمَاعِيلَ.
فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَشْرِكْنَا فِيهِ.
فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ شَيْءٌ خُصِصْتُ بِهِ مِنْ دُونِكُمْ، فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إِلَيْهِ.
فَقَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ، فَخَرَجُوا إِلَيْهَا، فَعَطِشُوا فِي الطَّرِيقِ حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْمَوْتِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: وَاللَّهِ إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا الْعَجْزُ، أَلا نَضْرِبُ فِي الأَرْضِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً، فَارْتَحَلُوا، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا انْبَعَثَت بِهِ انْفَجَرَ تَحْتَ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، وَشَرِبُوا جَمِيعًا، وَقَالُوا لَهُ: قَدْ قَضَى لَكَ عَلَيْنَا الَّذِي سَقَاكَ، فَوَاللَّهِ لا نُخَاصِمُكَ فِيهَا أَبَدًا، فَرَجَعُوا وَخَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمْزَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute