أَبُو عُمَرَ الْجَرْمِيُّ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدُ فَأَتَانِي، فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ لأَتَيْتُكَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، قَدْ حَاكَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ، فَانْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلُهُ.
فَقُلْتَ هُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.
فَقَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَخَرَجَ مُسْرِعًا.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ لأَتَيْتُكَ، فَقَالَ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ، فَحَدَّثَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: اقْضِ دَيْنَهُ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا مَنْ عِنْدِهِ، قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا، انْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلْهُ، فَقُلْتُ: هَاهُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَا جَرَى لَهُ مَعَ سُفْيَانَ.
قُلْتُ: هَاهُنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، قَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ، فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَتْلُو آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ يُرَدِّدُهَا، قَالَ: اقْرَعِ الْبَابَ، فَقَرَعْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: مَا لِي وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوَ مَا عَلَيْكَ طَاعَتُهُ؟ فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَابَ، ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الْغُرْفَةِ وَأَطْفَأَ السِّرَاجَ، ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْبَيْتِ، فَدَخَلْنَا فَجَعَلْنَا نَجُولُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ قَبْلِي إِلَيْهِ.
فَقَالَ: يَا لَهَا مَنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نَجَتْ غَدًا مَنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلامٍ نَقِيٍّ مِنْ قَلْبٍ تَقِيٍّ.
فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلافَةَ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْبَلاءِ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ، فَعَدَّ الْخِلافَةَ بَلاءً، وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ نِعْمَةً.
فَقَالَ لَهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مَنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فصُمْعَنِ الدُّنْيَا، وَلَيْكُنْ إِفْطَارُكَ مِنْهَا الْمَوْتُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute