تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ، وَفِي قَلْبِكَ غِشًّا لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ لَهُمْ غَاشًّا لَمْ يَرْحَ رِيحَ الْجَنَّةِ» .
فَبَكَى هَارُونُ، وَقَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، دَيْنٌ لِرَبِّي لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ، فَالْوَيْلُ لِي إِنْ سَأَلَنِي، وَالْوَيْلُ لِي إِنْ نَاقَشَنِي، وَالْوَيْلُ لَي إِنْ لَمْ أُلْهَمْ حُجَّتِي.
قَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنْ دَيْنِ الْعِبَادَ.
قَالَ: إِنَّ رَبِّيَ لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات: ٥٨] .
فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ أَلْفُ دِينَارٍ، خُذْهَا فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ وَتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَتِكَ.
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ، وَأَنْتَ تُكَافِئُنِي بِمِثْلِ هَذَا، سَلَّمَكَ اللَّهُ وَوَفَّقَكَ.
ثُمَّ صَمَتَ فَلَمْ يُكَلِّمْنَا، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا صِرْنَا عَلَى الْبَابِ، قَالَ هَارُونُ: إِذَا دَلَلْتَنِي عَلَى رَجُلٍ فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلِ هَذَا، هَذَا سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ.
فَدَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا، قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ، فَلَوْ قَبِلْتَ هَذَا الْمَالَ فَتَفَرَّجْنَا بِهِ.
فَقَالَ لَهَا: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانَ لَهُمْ بَعِيرٌ يَأْكُلُونَ مِنْ كَسْبِهِ، فَلَمَّا كَبُرَ نَحَرُوهُ فَأَكَلُوا لَحْمَهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ هَارُونُ هَذَا الْكَلامَ، قَالَ: نَدْخُلُ فَعَسَى يَقْبَلُ الْمَالَ، فَلَمَّا عَلِمَ الْفُضَيْلُ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي السُّطْحِ عَلَى بَابِ الْغُرْفَةِ، فَجَاءَ هَارُونُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَلا يُجِيبُهُ.
فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا قَدْ آذَيْتَ الشّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَةَ، فَانْصَرِفْ رَحِمَكَ اللَّهُ، فَانْصَرَفْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute