للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذُؤَابَتَانِ، وَعَلَى رَأْسِهِ رِدَاءُ قَصَبٍ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُ كَتَّانٍ، وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلُ طَاقٍ.

قَالَ مَعْرُوفٌ: فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَمِنْ زِيِّهِ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ يَا عَمِّ، فَقُلْتُ: الْفَتَى مِنْ أَيْنَ قَالَ: مَنْ مَدِينَةِ دِمَشْقَ.

قُلْتُ: وَمَتَى خَرَجْتَ مِنْهَا؟ قَالَ: ضَحْوَةً.

قَالَ مَعْرُوفٌ: فَتَعَجَّبْتُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِيهِ مَرَاحِلُ كَثِيرَةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: فَأَيْنَ الْمَقْصِدُ؟ قَالَ: مَكَّةَ.

فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُسَاقُ إِلَى الْمَوْتِ سَوْقًا لَرَفِقَ بِنَفْسِهِ، فَوَدَّعْتُهُ، وَمَضَى، فَلَمْ أَرَهُ حَتَّى مَضَتْ ثَلاثُ سِنِينَ.

فَلَمَّا كَانَ ذَاتُ يَوْمٍ وَأَنَا فِي مَنْزِلِي أَتَفَكَّرُ فِي أَمْرِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ، إِذَا بِإِنْسَانٍ يَدُقُّ الْبَابَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِصَاحِبِي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتَ: مَرْحَبًا وَأَهْلا، وَأَدْخَلْتُهُ الْمَنْزِلَ، فَرَأَيْتُهُ مُنْقَطِفًا، وَالِهًا تَالِفًا، عَلَيْهِ زُرْمَانِقَةٌ، حَافِيًا حَاسِرًا.

فَقُلْتُ: هِيهْ، إِيشِ الْخَبَرُ؟ فَقَالَ: يَا أُسْتَاذُ، لاطَفَنِي حَتَّى أَدْخَلَنِي الشَّبَكَةَ، فَرَمَى بِي، فَمَرَّةٌ يُلاطِفُنِي، وَمَرَّةٌ يُهَدِّدُنِي، وَمَرَّةٌ يُهِينُنِي، وَمَرَّةٌ يُكْرِمُنِي، فَلَيْتَهُ وَقَفَنِي عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِ أَوْلِيَائِهِ، ثُمَّ لْيَفْعَلْ بِي مَا شَاءَ.

قَالَ مَعْرُوفٌ: فَأَبْكَانِي كَلامُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: فَحَدِّثْنِي بِبَعْضِ مَا جَرَى عَلَيْكَ مُنْذُ فَارَقْتَنِي.

قَالَ: هَيْهَاتَ أَنْ أُبْدِيَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخْفِيَهُ، وَلَكِنْ مَبْدَأَ مَا فَعَلَ بِي فِي طَرِيقِي إِلَيْكَ يَا مَوْلايَ وَسَيِّدِي، ثُمَّ اسْتَفْرَغَهُ الْبُكَاءُ.

فَقُلْتُ: وَمَا فَعَلَ

<<  <   >  >>